تزايد خطر الفيضانات في مختلف مناطق الولايات المتحدة

تزايد خطر الفيضانات في مختلف مناطق الولايات المتحدة

نجمت الفيضانات المفاجئة الكارثية التي شهدتها ولاية تكساس الأميركية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عن هطول أمطار غزيرة للغاية.

وبلغ منسوب الأمطار 30 سنتيمتراً في جنوب ووسط الولاية، في الساعات الأولى من صباح الرابع من يوليو، وفقاً لتقديرات هيئة الأرصاد الجوية الوطنية.

يؤدي تغيّر المناخ إلى عواصف مطرية أكثر شدة في معظم أنحاء الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى هطول المزيد من المياه في فترات زمنية أقصر، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث فيضانات خطيرة.

هذا ما حدث في تكساس الأسبوع الماضي، فعندما تهطل كميات كبيرة من الأمطار بسرعة كبيرة لا تستطيع الأرض امتصاص المياه.

وإذا كانت التضاريس جبلية، ولو قليلاً، فإن كل هذه المياه الزائدة تتدفق إلى المناطق المنخفضة، وتزداد سرعتها مع تدفقها تجاه مجرى النهر، وهذا يمكن أن يتسبب في فيضانات مفاجئة خطيرة عندما ترتفع المياه بسرعة وتتحرك بسرعة.

تُعرف المنطقة التي غمرتها المياه الأسبوع الماضي من تكساس باسم «ممر الفيضانات المفاجئة» نظراً إلى تلالها الجيرية التي تمنع نفاذ المياه وهطول الأمطار الغزيرة المتكررة، إلا أن هذه الفيضانات كانت شديدة بشكل غير معتاد في المنطقة.

ويزيد تغيّر المناخ من سوء هذه الفيضانات، حيث يعود ذلك إلى أن الغلاف الجوي الأكثر دفئاً قادر على الاحتفاظ بمزيد من الرطوبة.

ويعني بخار الماء الزائد هذا أن العواصف يمكن أن تتسبب في أمطار أكثر من السابق.

ووفقاً للتقييم الوطني للمناخ، نتج عن أشد العواصف المطرية في تكساس نحو 20% من المياه أكثر مما كانت عليه في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، عندما كان الكوكب أكثر برودة بشكل ملحوظ.

ومن المتوقع أن يزداد هطول الأمطار الغزيرة في تكساس بشكل كبير في العقد المقبل مع زيادة الاحتباس الحراري، بحسب تقرير صدر عام 2024 عن المناخ في ولاية تكساس.

تحليلات أكثر دقة

لا يقتصر الأمر على تكساس، حيث يتوقع الخبراء المزيد من الأمطار التي تنجم عن العواصف المطرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض.

لا نعرف حتى الآن مدى مساهمة تغيّر المناخ في العاصفة الأخيرة تحديداً، وتشير تقديرات تحليل أولي أجرته مجموعة من العلماء الأوروبيين إلى أن التغير المناخي ربما تسبب في هطول أمطار أكثر بقليل خلال عاصفة الرابع من يوليو 2025.

وسيتمكن العلماء من إجراء تحليلات أكثر دقة مع توافر بيانات أكثر تفصيلاً من ولاية تكساس في الأيام والأسابيع المقبلة.

وكانت أمطار يوم الجمعة الماضي شديدة بشكل خاص لأن بقايا العاصفة الاستوائية «باري» كانت تتحرك فوق تكساس بعد أن وصلت العاصفة إلى اليابسة الأسبوع الماضي في المكسيك.

ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض ينتج عن العواصف الاستوائية والأعاصير أمطار أكثر من المعتاد، وامتصت المحيطات معظم الحرارة الزائدة، ويزيد ارتفاع درجة حرارة المياه مع ارتفاع درجة حرارة الهواء في الغلاف الجوي من احتمال حدوث عواصف كبيرة.

يمكن أن تتسبب عواصف المحيطات في فيضانات مميتة في مناطق بعيدة جداً على اليابسة، وهي ظاهرة تجلت بوضوح العام الماضي عندما تسبب إعصار «هيلين» في فيضانات مدمرة في شرق البلاد.

وفي عام 2021، تسببت الفيضانات المفاجئة من بقايا إعصار «إيدا» في مقتل العشرات في شمال شرق الولايات المتحدة، بعد وصولها إلى اليابسة في لويزيانا.

لم يكن من الممكن أن يحدث أكثر من ثلث الأضرار المقدرة بـ230 مليار دولار الناجمة عن الفيضانات الداخلية في الولايات المتحدة بين عامي 1988 و2021 لولا تغيّر المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، وفقاً للتقييم الوطني للمناخ، وجرفت الفيضانات المفاجئة في جنوب ووسط تكساس الطرق والجسور، وجرفت المباني والمركبات على طول نهر غوادالوبي.

تحديث السجلات القديمة

على الرغم من المخاطر المتزايدة لا تغيّر العديد من المجتمعات المحلية في جميع أنحاء أميركا خططها في مواجهة العواصف المطرية الأكثر شدة، عندما يتعلق الأمر ببناء الطرق ومجاري الفيضانات والبنية التحتية للعواصف، ويعود ذلك جزئياً إلى اعتماد الحكومات المحلية على سجلات هطول الأمطار التاريخية الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، لتخطيط أنظمة التحكم في الفيضانات، لكن في بعض المناطق تعود هذه السجلات إلى عقود مضت، ما يعني أنها لا تعكس مدى تفاقم العواصف المطرية في معظم أنحاء البلاد.

في مقاطعة هاريس بولاية تكساس التي تضم هيوستن، حدّثت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي سجلات هطول الأمطار في عام 2018، ووجدت أن العواصف الشديدة – تلك التي يبلغ احتمال حدوثها 1% في أي عام – ينتج عنها الآن ما يقرب من 45 سنتيمتراً من الأمطار، مقارنة بـ33 سنتيمتراً في ستينات وسبعينات القرن الماضي.

ونظراً لهذه الزيادة فإن ثلث الطرق الرئيسة والطرق السريعة في مقاطعة هاريس معرضة للفيضانات، ولمواجهة هذا الخطر المتزايد زادت كلفة خطة البنية التحتية للفيضانات في المقاطعة بما يراوح بين 150 و200 مليون دولار، ويعود ذلك بشكل كبير إلى احتياجات السلامة من الفيضانات.

تقوم الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي حالياً بتحديث سجلات هطول الأمطار القديمة على مستوى البلاد مع مراعاة تأثير تغير المناخ على تفاقم العواصف، ومن المتوقع إصدار هذه التحديثات بدءاً من العام المقبل.

لم توضح الإدارة الوطنية ما إذا كان هذا الجدول الزمني قد يتغير في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب التي اقترحت تقليصاً كبيراً في تمويل الوكالة، بما في ذلك البرامج التي تعمل على أبحاث تغير المناخ.

عن «إن بي آر»

تقلبات طبيعية

بمقارنة أنماط الطقس الماضية (1950-1986) والحالية (1987-2023) في الولايات المتحدة، خلص الباحثون إلى أن التقلبات الطبيعية وحدها لا يمكن أن تفسر الفيضانات الكارثية، مشيرين إلى تغيّر المناخ كأحد العوامل الرئيسة وراء هذا الحدث.

وعلى وجه التحديد، وجدوا أن درجات الحرارة قد ارتفعت بما يصل إلى 1.5 درجة مئوية جنوب المنطقة المتضررة من الفيضانات في تكساس، في حين أن الجو الحالي أكثر رطوبة في أجزاء من وسط تكساس خصوصاً على طول الممر الجوي من سان أنطونيو إلى أوستن، ووفقاً لدراسة حديثة فإن هذه التغييرات قد خلقت بيئة أكثر ملاءمة لحدوث هطول الأمطار المفاجئة عالية التأثير.

وأقر الباحثون أيضاً بأن العوامل التي لم تؤخذ في الاعتبار في هذه الدراسة، مثل تغير استخدام الأراضي والتمدد الحضري وفشل أنظمة الإنذار، ربما تكون قد فاقمت الفيضانات.

وقالت الباحثة ميريا جينيستا من جامعة أكسفورد: «تعكس الفيضانات المدمرة في تكساس التأثير المتزايد لأجواء أكثر دفئاً ورطوبة بسبب تغير المناخ»، ولحماية المجتمعات الآن من الضروري الحفاظ على دعم قوي للتنبؤات الجوية والبحث العلمي، بما يضمن دقة التنبؤات والإنذارات المبكرة الفعالة التي من شأنها إنقاذ الأرواح.

وتتوافق هذه النتائج مع استنتاجات الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ بأن التغيّر المناخي يكثف دورة المياه، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة وفيضانات مصاحبة لها، ويمكن للغلاف الجوي الأكثر دفئاً، المسخن بانبعاثات الوقود الأحفوري، أن يحتفظ بمزيد من الرطوبة، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة، ومع كل درجة مئوية واحدة ترتفع فيها درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، يمكن أن تزداد كمية بخار الماء في الغلاف الجوي بنحو 7%.

وقال عالم المناخ أندرو ديسلر: «إن دور تغير المناخ أشبه بالمنشطات للطقس، فهو يضخ جرعة إضافية من الشدة في أنماط الطقس الحالية».

. من المتوقع أن يزداد هطول الأمطار الغزيرة في تكساس بشكل كبير في العقد المقبل مع زيادة الاحتباس الحراري.