حزب الله وتراجع تدريجي

حزب الله وتراجع تدريجي

من خلال تصريحات مسؤولي حزب الله اللبناني يبدو أنَّ الحزب ذاهب إلى القبول بالتنازل وتسليم سلاحه للجيش اللبناني، لكن ذلك لن يحدث إلا بالطريقة والأسلوب الذي يراه الحزب مناسبًا حفاظًا على سمعته التاريخية في الصمود والتصدي. الطريقة التي يريدها الحزب هي التنازل التدريجي، هذا الأسلوب هو الأقل مرارة والأقل خطورة على مستقبل الحزب، ومخطط له بدقة وله مبرراته، وأهمها أن لا يفقد حزب الله قواعده الجماهيرية الكبيرة التي عوّلت كثيرًا على تحقيق أهداف حزب الله خلال العقود الأربعة الأخيرة، والمبرر الثاني هو خوف حزب الله من نتائج نزع السلاح الذي سيتبعه بالتأكيد مرافعات قضائية ضد قيادات هذا الحزب بتهمة الخيانة العظمى لدولة لبنان بسبب ارتباط الحزب بإيران، أما المبرر الثالث فهو خوف الحزب من تأثير عملية نزع السلاح على إنهاء دور الشيعة سياسيًا في الساحة اللبنانية.

لكن بالمقابل، هل سينجح حزب الله في فرض استراتيجيته التدريجية على الحكومة اللبنانية؟ هناك شك كبير في ذلك للأسباب التالية:

أولًا: الحكومة اللبنانية تتعرض لضغوطات كبيرة من أجل تنفيذ عملية نزع السلاح من يد حزب الله بأسرع وقت، فهي أي الحكومة اللبنانية مضطرة للتسريع بجدولة نزع السلاح، خاصة وأن الجيش اللبناني يعيش الآن عصره الذهبي، عصر القوة والدعم الدولي الكبير، فليس من المنطق أن يرخي قبضته ويترك الأمور سائبة كما يشاء الحزب.

ثانيًا: تربص إسرائيل بالوضع اللبناني وجاهزية الطيران الإسرائيلي لتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله بمجرد أن تتأكد الحكومة الإسرائيلية أن الحزب يماطل في نزع سلاحه، وهذا الشيء يثير القلق عند الحكومة اللبنانية وداعميها من الدول العربية، لذلك تسعى الحكومة اللبنانية إلى الإسراع في تفويت الفرصة على إسرائيل والحفاظ على هيبة الدولة اللبنانية من خلال نزع السلاح بدون قيد أو شرط.

ثالثًا: انحسار الدعم المالي واللوجستي الذي كان الحزب يتلقاه عبر منافذ عديدة، مما يسهل عملية الضغط على حزب الله والتعجيل في نزع سلاحه. بمعنى أن أوراق حزب الله باتت ضئيلة وقيادات الحزب في حيرة.

ففي حال نجح حزب الله بفرض أسلوبه في التنازل التدريجي رغم ضعف هذا الاحتمال، سيعطي الفرصة لتعميم هذا الأسلوب على جميع جبهات المقاومة أو الممانعة، وحتى إيران ستستفيد من هذا الأسلوب وقد تعتمده في مفاوضاتها مع الدول الغربية، الذي سينقذ بالنهاية جبهات الممانعة من الانهيار والاحتفاظ بالحد الأدنى من الوجود المعنوي.

نجاح أو فشل حزب الله بأسلوبه للتنازل التدريجي يعتمد على دوائر القرار في الدول الغربية وإسرائيل، وليس على حزب الله، لأن القرار الغربي والإسرائيلي إذا كان يضمر النية المبيتة والتخطيط لإسقاط محور الممانعة نهائيًا، فليس هناك أي احتمال لتأجيل نزع السلاح. أما إذا كانت دوائر القرار هدفها إضعاف هذا المحور وعدم إسقاطه نهائيًا، فقد يكون قرار حزب الله ناجحًا ومعتمدًا في نهاية الأمر كحل مرض لجميع قوى المقاومة.

نحن الآن نعيش مرحلة جس النبض والهدوء الحذر، نترقب القادم ويمكننا تخمين النهايات مع الخطوات القادمة للتحرك الإسرائيلي أو الأميركي أو الترويكا الأوروبية. لا ننسى أن للمفاوضات الروسية الأوكرانية المقبلة علاقة بالخطوات القادمة في المنطقة، وحتى الوضع السوري له تأثير على ما يحدث داخل لبنان. لكن تبقى الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عما يجري داخل لبنان وإيجاد الحلول الصحيحة.

هكذا هي السياسة: رمال متحركة تمر بمراحل غموض ثم مرحلة الوضوح، فخلال مراحل الغموض تبدأ التكهنات والتحليلات، وفي مرحلة الوضوح تخرج التفسيرات.