هل يتمكن “حزب الله” من استقطاب المسيحيين سواء كخصوم أو حلفاء؟

هل يتمكن “حزب الله” من استقطاب المسيحيين سواء كخصوم أو حلفاء؟

يحاول أبناء الطائفة الشيعية، منذ استهداف إسرائيل لهم عموماً ولقائدهم “حزب الله” عقاباً له على حرب إسناد غزّة التي شنّها بعد 24 ساعة من تنفيذ “حماس” عملية “طوفان الاقصى”، كما عند نجاحها في تدمير قسم كبير من مناطقه ولا سيما الجنوبية منها وفي قتل نحو خمسة آلاف من جنوده وجرح ثلاثة عشر ألفاً استناداً الى أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم، هذا فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بمناطق واسعة في الجنوب وفي ضاحية بيروت الجنوبية كما في البقاع بمناطقه الثلاث، يحاول الشيعة إعادة القوّة الى تحالفهم مع مسيحيي “التيار الوطني الحر” ومؤسِّسه ميشال عون ووارثه جبران باسيل، كما مع مسيحيي زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية. دافعهم إلى ذلك كان هزيمتهم العسكرية أمام إسرائيل وعدم وقوف المسلمين السُنّة معهم في لبنان رغم وقوف “حزب الله” الأقوى فيهم ضد اسرائيل عدوّتهم من زمان، وتعريض نفسه بمقاتليه وقيادته وشعبيّته الشيعيّة الواسعة جداً للخطر الكبير، هذا فضلاً عن امتناع “الحزب التقدمي الاشتراكي” الأقوى شعبياً في الوسط الدرزي اللبناني والفئات الدرزيّة الأخرى عن رفع راية التأييد الواضح لـ “الحزب” في حربه على إسرائيل واكتفائه برفع راية الاعتدال ودعوة كل الطوائف والمذاهب في البلاد إلى الحكمة والابتعاد عن كل ما يسبّب الدمار للبلاد بشعوبها كلها. والدافع الشيعي الآخر إلى استعادة قوّة تحالفهم مع المسيحيين شعورهم واقتناعهم في آن واحد بأن الأطراف المسيحيين المعارضين لـ”حزب الله” وبقوّة شديدة ومن زمان وفي مقدّمهم حزبا “القوّات اللبنانية” و”الكتائب” نجحوا في استعادة قوّة تمثيلهم لشارعهم قبل خسارة “الحزب” حرباً طاحنة مع إسرائيل، علماً بأن هذا النجاح بدأ قبل الحرب الأخيرة بسنوات وتحديداً بعد تحقيق معارضي “التيّار العوني” الحليف المسيحي للحزب فوزاً انتخابياً كبيراً. وبعد شعورهم بالتهديد الكبير لـ”حزب الله” والشيعة عموماً لهم من جرّاء استقطابه استقطاباً شاملاً لطائفته وبناء جيش من عشرات آلاف المقاتلين ونجاحه في حرب سوريا وفي الحفاظ على حكم آل الأسد فيها بمعاونة إيران الإسلامية وروسيا. واضح جداً أن النجاح المشار إليه أعلاه استُكمل أخيراً بعد سقوط نظام الرئيس الأسد وبعد الضربة القويّة جداً التي تلقّاها “حزب الله” من إسرائيل، وأخيراً بعد الضربة القويّة جداً وذات المعاني الكبيرة وإن غير الساحقة حتى الآن التي تلقتها إيران الإسلامية “أم” حزب الله على يد إسرائيل نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. طبعاً لا يعني ذلك أن الأهداف الشخصيّة السياسيّة المغطّاة بأهداف وطنيّة أو دينيّة أو طائفيّة لم تستمر في الأوساط السياسيّة المسيحية ولا سيما في الوسط العوني الذي حاول النائب جبران باسيل صهر مؤسِّس “التيّار الوطني الحر” ورئيسه إبقاء شعرة معاوية مع الحزب لأهداف انتخابية. فمن جهة بدأت الأصوات داخل “حزب الله” وفي بيئتيه السياسيّة والشعبية تتعالى محاولة طمأنة المسيحيين وإبعادهم عن الجوّ اللبناني العام المستاء منهم في الشارع المسيحي كما في الشارعين الإسلاميّين السنّي والدرزي. ودُبِّجت المقالات التي أشادت بالتعاون القديم والمستمر بين الشيعة والمسحيين. وتناولت زيارات قادة من “حزب الله” للزعامات المسيحيّة البارزة باستثناء “القوات اللبنانية”. وخُصّصت حملات إعلامية لهذا الهدف. لكن ذلك كلّه لم يحقّق النتائج المرجوّة. الحليف منذ 2006 أي “التيار الوطني الحر” تخلّى رئيسه الحالي باسيل عن تحالفه مع “حزب الله” رغم محاولة استمرت أسابيع للحفاظ على “شعرة معاوية” معه والتي انتقده فيها كثيرون رغم وجود مصالح مشتركة معه وتحديداً انتخابياً. وزعيم “المردة” الشمالي الزغرتاوي سليمان فرنجية أبدى بداية تعاطفاً “حيادياً” إذا جاز التعبير مع “حزب الله”، وعندما أدرك أن “من ضرب ضرب ومن هرب هرب؟” انتقل الى الحياد الوطني ولكن من دون الانضمام الى جوقة الحزب ومدّاحيه والمستذكرين اليوم المسيحيين بعد طول نسيان لهم، أو على الأقل بعد طول الإفادة منهم وعدم استهدافهم وتوزيع “المساعدات” عليهم. هذا أمر لا يخصّ إلا القيادات، أما المسيحيّون والعاديّون منهم فكانوا دائماً، ولا سيما في مناطق الغالبية الشيعية، يعترفون بأن “الحزب” لم يستهدفهم يوماً لكنهم استذكروا دائماً أن “خراجات” قراهم وبلداتهم صارت ساحات تدريب وقتال وأنهم كانوا محميّين ولكن درجتهم صارت ثانية وربما أكثر. طبعاً لا يمكن لوم الشيعة قبل إسقاط حليفهم نظام الأسد في سوريا وحليف مؤسِّسة “حزبهم” الأول في لبنان أي إيران الإسلامية على الزهو وربما الغرور اللذين شعروا بهما واقتناعهم بأنهم صاروا زعماء لبنان بل المنطقة. كما لا يمكن لومهم اليوم بعدما طار من أنقذوه ونظامه في سوريا وحلّ مكانهما من انتصرا عليهم منذ 2011 وحتى أقل من سنة، وبعدما فقدت إيران الحليفة بل الأم والأب لـ”حزب الله” سوريا ولبنان وغزّة وتكاد تفقد العراق وربما لاحقاً حوثيي اليمن الموالين لها. ماذا عن سُنّة لبنان ومواقفهم من التطورات التي بدأت منذ “حرب الإسناد” ولمّا تنتهِ بعد رغم حرب إسرائيل القاسية على لبنان جنوباً وبقاعاً وضاحيةً بل عليه كلّه؟ علماً بأنها قد تنجرّ، وربما على نطاق جغرافي أوسع إذا عجزت دولة لبنان الجديدة عن الوفاء بالتزاماتها أمام المجتمع الدولي والعربي.