لماذا يصرف الأثرياء أموالاً طائلة على وجبة واحدة؟ تحليل اقتصاد التجربة يوضح السبب.

في عالم يزداد فيه الحديث عن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يبرز مشهد متناقض تماماً: مطاعم تقدم وجبات بأسعار خيالية قد تصل إلى آلاف الدولارات، وتجد زبائنها من الأثرياء يتهافتون عليها دون تردد، فما سر هذا الهوس بالطعام الفاخر؟ ولماذا أصبح «طبق واحد» رمزاً للثروة والوجاهة الاجتماعية؟إضافة إلى ذلك، تلعب تقنيات الطهي المبتكرة وأسماء الطهاة العالميين دوراً في رفع قيمة التجربة.
كيف تحول تناول الطعام إلى استثمار؟
ولا يتعلق الأمر دائماً بالمذاق وحده، بالنسبة للأثرياء، فإن تناول وجبة بقيمة آلاف الدولارات يشبه اقتناء ساعة نادرة أو لوحة فنية باهظة الثمن، إنها رسالة غير مباشرة تعكس المكانة الاجتماعية والقوة الاقتصادية، حيث يتحول الطعام إلى وسيلة لإظهار التفوق والتميّز.
وجبة Sublimotion في إيبيزا الإيطالية هي وجبة تذوّق فريدة تتزامن مع عروض إخراجية وأضواء خاصة، بسعر قد يتجاوز 2000 دولار للشخص. وGinza Kitafuku في طوكيو باليابان يعد أغلى قائمة تذوّق حاصلة على نجمة ميشلان في العالم، بـ2130 دولاراً للشخص الواحد، ويُقدم كرابي الثلج طازجاً أمام الضيوف أثناء جلوسهم على الأرض، وفقاً لـNew York Post.وUltraviolet في شنغهاي الصينية، تجربة حسية متعددة الأبعاد تتضمّن الطعام والموسيقى والمؤثرات البصرية بسعر يصل 1230 دولاراً للشخص. وMasa في نيويورك، تجربة يقدّمها الشيف ماسا تاكاياما بحضور شخصي وبأسعار تبدأ من 750 دولاراً إلى 950 دولاراً للشخص، وفقاً لـThe Times.لماذا يعشق الأثرياء هذه التجارب؟يرجعها خبراء إلى الندرة والمكانة الاجتماعية، فعندما تكون الوجبة مقيدَة بعدد محدود وبأسلوب فني، تصبح رمزاً للثراء والذوق الرفيع.البعض يرجعها إلى اقتصاد التجربة، فلا تُشترى فقط نكهات الطعام، بل السياق المحيط (المطعم، العرض الحسي، والخدمة الفاخرة).بينما ينسب البعض ذلك للانتماء إلى اللحظة، فكل وجبة تحمل قصة ومشاركة لذكرى تستحق أن تُروى.ويقول أحد مستخدمي Reddit الذي لم يمنعه السعر من تدوين التجربة: «أنفقت قرابة 3000 دولار على وجبة في مطعم Salt Bae بتركيا.. كانت فريدة حقاً، لكن الفاتورة كانت صادمة»، وفقاً لـGQ.ما هو اقتصاد التجربة؟خبراء التسويق يرون أن «الوجبة الفاخرة» لم تعد مجرد طعام، بل تجربة متكاملة، من تصميم المطعم وفخامة الأطباق إلى أسلوب تقديم الطعام الذي قد يتضمن عروضاً فنية أو تكنولوجيا حديثة، يدفع الزبائن مقابل رحلة حسية متكاملة لا تُنسى.ومع ذلك، يثير هذا المشهد جدلاً متكرراً، فبينما يعتبره البعض استعراضاً مبالغاً فيه للثروة في عالم يعاني من الجوع والفقر، يرى آخرون أن هذه المطاعم تحفز الابتكار في فنون الطهي وتدعم سلاسل إنتاج غذائية متخصصة تخلق وظائف وتفتح أسواقاً جديدة.رغم الانتقادات، تشير التقارير إلى أن سوق الطعام الفاخر في نمو متواصل، مدفوعاً بزيادة عدد الأثرياء عالمياً وتوسع ثقافة «اقتصاد التجربة»، ويبدو أن هذا النوع من الترف سيبقى حاضراً ما دام هناك من يبحث عن التميز، حتى وإن كان ثمنه (لقمة تساوي ثروة).بالنسبة للبعض، الطعام الفاخر ليس مجرد طعام؛ إنه استثمار في البقاء لحظة لا تُنسى، ومن بُعدٍ فلسفي هو إعلان صامت بأن الحياة تُعاش بأبهى صورها عندما تذوقها بنية كاملة، لا بالكلام فقط.