الخطر في الأفق.. تدخل ترامب في السياسة الفيدرالية يهدد أمريكا

الخطر في الأفق.. تدخل ترامب في السياسة الفيدرالية يهدد أمريكا

هناك جدلٌ مشروعٌ حول الاستقلال الفعلي للبنوك المركزية في العصر الحديث، لكن الكل يجتمع على خطورة التسييس العلني للسياسة النقدية، كما نشهده في الولايات المتحدة.
تُظهر أمثلة التسييس المُجرّد للسياسة النقدية على مرّ السنين أنها قد تُحقق، بعبارة مُلطفة، نتائج دون المستوى الأمثل – فقدان المصداقية، وضعف العملة، وارتفاع التضخم، وارتفاع الديون، وارتفاع علاوات المخاطر، وربما ارتفاع تكاليف الاقتراض بشكل كبير.
بالتأكيد، هذه النتائج بعيدة كل البعد عن أن تكون مضمونة في الولايات المتحدة، لكنها تُظهر إلى أين يُمكن أن يؤدي التدخل السياسي المُفرط في السياسة النقدية.

تركيا

تُعدّ «أردوغانوميكس»، النظريات والسياسات الاقتصادية غير التقليدية لرجب طيب أردوغان، الذي يشغل منصب رئيس تركيا منذ عام 2014، مثالاً بارزاً على السياسة النقدية المُسيّسة. يُسجّل لأردوغان، «عدو» أسعار الفائدة المُعلن، قوله إن أسعار الفائدة المرتفعة تُسبب التضخم، وأن السبيل إلى خفض التضخم هو بالتالي خفض تكاليف الاقتراض.أقال أو استبدل خمسة محافظين للبنك المركزي بين عامي 2019 و2024، بعضهم لرفع أسعار الفائدة أو رفض خفضها، مع اقتراب التضخم وأسعار الفائدة من مستوى 20% أواخر عام 2021، رضخ البنك المركزي لضغوط أردوغان وخفض تكاليف الاقتراض، والنتيجة؟ انهارت العملة وارتفع التضخم إلى ما يزيد على 85%.

الأرجنتين

قلما كانت البنوك المركزية في العصر الحديث بمثابة أذرع فعلية للحكومة كما فعل البنك المركزي للجمهورية الأرجنتينية، وقد اعتمدت الحكومات المتعاقبة بشدة على البنك المركزي للجمهورية الأرجنتينية لطباعة النقود لتمويل إنفاقها، وكانت النتائج متوقعة، وقد عانت البلاد من أزمات اقتصادية متكررة، وكافحت التضخم المرتفع، بل وحتى المفرط، لعقود.عادةً ما تكون فترة رئاسة البنك المركزي للجمهورية الأرجنتينية قصيرة: فقد ترأسه 13 رئيساً خلال هذا القرن، وشهدنا سبع حالات استقالة خلال السنوات السبع الأولى من رئاسة كارلوس منعم بين عامي 1989 و1996. كما أقال الرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، بشكل سيئ السمعة، رئيس بنك الاحتياطي الهندي مارتن ريدرادو عام 2010 لمعارضته خطتها لاستخدام 6.6 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي لسداد الديون.

الهند

اشتد الضغط على بنك الاحتياطي الهندي في ظل حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، في ديسمبر 2018 استقال محافظ بنك الاحتياطي الهندي، أورجيت باتيل، فجأةً بعد أكثر من عامين بقليل في منصبه، وذلك بعد أشهر من ضغوط الحكومة لتخفيف شروط الإقراض والسماح للحكومة بمزيد من الوصول إلى الاحتياطيات لتعزيز الإنفاق قبل الانتخابات الوطنية.في الأشهر التي سبقت رحيل باتيل، أقال مودي أيضاً أعضاء مجلس إدارة بنك الاحتياطي الهندي وعيّن أنصاره مكانهم، ما أثار قلق المستثمرين، أسهم ذلك في دفع الروبية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار في أكتوبر من ذلك العام، وتضاعف التضخم السنوي بأكثر من 3 أضعاف خلال العام التالي ليصل إلى ما يقرب من 8%.

اليابان

يختلف الوضع هنا بعض الشيء -نظراً لأن القادة اليابانيين سعوا جاهدين في كثير من الأحيان إلى إضعاف العملة وزيادة التضخم- لكن العلاقة الوثيقة بين الحكومة وبنك اليابان لا تزال تُعتبر ذات تأثير سلبي على صحة الاقتصاد الياباني على المدى الطويل.عملت الحكومة اليابانية والبنك المركزي ككيان واحد تقريباً أثناء تنفيذ العديد من تدخلات سوق الصرف الأجنبي على مر السنين، وتوطدت العلاقات مع إطلاق «آبينوميكس» في عام 2012، وهي الإصلاحات الاقتصادية التي أدخلها رئيس الوزراء شينزو آبي، والتي تضمنت «الركائز الثلاث» للسياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاح الهيكلي.كان جوهر «آبينوميكس» سياسة نقدية متساهلة بشكل غير مسبوق، حتى بمعايير بنك اليابان، وسّع البنك المركزي ميزانيته العمومية بشكل هائل -إذ لا تزال أكبر بنحو ستة أضعاف من ميزانية الاحتياطي الفيدرالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي- وطبّق أسعار فائدة سلبية لسنوات.يجادل العديد من النقاد بأنه لم ينجح، إذ ظل النمو بطيئاً، وارتفع مستوى التفاوت، وأصبحت اليابان الآن مثقلة بأكبر عبء دين عام في العالم.

الولايات المتحدة

وربما يكون من المفاجئ أن تأتي الولايات المتحدة الأميركية في المركز الأخير، ففي أوائل سبعينيات القرن الماضي، ضغط الرئيس ريتشارد نيكسون على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، آرثر بيرنز، للإبقاء على السياسة النقدية متساهلة قبل انتخابات عام 1972، على الرغم من تزايد الضغوط التضخمية.كما ورد أن نيكسون أخبر بيرنز، في عام 1969، بعد ترشيحه مباشرةً، أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق، بيل مارتن، كان دائماً متأخراً ستة أشهر عن أي إجراء، وأضاف: «أعتمد عليك يا آرثر، لتجنّبنا الركود»، وأضاف: «أعلم أن هناك خرافة حول استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي…».شغل بيرنز منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمدة ثماني سنوات حتى عام 1978، وخلال هذه الفترة، ارتفع التضخم بشكل حاد ولم ينخفض ​​تماماً إلا في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ويعتبره العديد من المراقبين من أقل رؤساء مجلس الاحتياطي الفيدرالي نجاحاً في تاريخه.وغني عن القول إن الولايات المتحدة لا تشبه أي دولة أخرى، اقتصادها وأسواق رأس مالها يفوقان كل الاقتصادات الأخرى، والدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، وأسعار فائدتها وأسواق سنداتها هي معايير تكاليف الاقتراض العالمية، هذا يعني أن حجم أي تأثير سوقي أو اقتصادي ناجم عن تدخل ترامب السياسي قد يكون أصغر بكثير من اضطرابات الماضي، لكن ثقل أميركا العالمي يعني أيضاً أن التأثير العالمي لهذه التحركات قد يكون أكبر بكثير.