تركيا أم زيمبابوي: ما هي وجهة سوريا بعد حذف صفرين من عملتها؟

تركيا أم زيمبابوي: ما هي وجهة سوريا بعد حذف صفرين من عملتها؟

تستعد سوريا لإصدار عملة جديدة مع حذف صفرين من العملة، في خطوة تهدف إلى استقرار الأسواق كما أن لها رمزية بداية عهد جديد، لكن حذف صفرين من العملة ليس بالأمر الجديد فهناك العديد من الدول التي أقدمت على مثل هذه الخطوة بعضها نجح مثل تركيا والبرازيل وبعضها زاد الأمر من أزماته الاقتصادية مثل زيمبابوي وفنزويلا، فأي سيناريو ينتظر سوريا؟

لماذا تحذف سوريا صفرين من عملتها؟

ويتابع مدير مشروع الخدمات المصرفية والمالية الرقمية بجامعة ميد السويدية «يضاف إلى ذلك أن النظام السياسي السابق اعتمد على التوسع في طباعة النقد بكميات كبيرة من دون نشر بيانات رسمية حول حجم هذه الطباعة، ما خلق صعوبة في تقييم كمية النقد المتداول فعلياً».

سيناريو تركيا أم زيمبابوي

من جانبه، قال الأستاذ المساعد في قسم المالية والاقتصاد بجامعة قطر، الدكتور جلال قناص «دول مثل تركيا وزيمبابوي وفنزويلا قدمت دروساً مهمة في هذا المجال، فتركيا قامت بإعادة تقييم عملتها في عام 2005 عندما حذفت 6 أصفار.. كانت هذه الخطوة ناجحة نسبياً لأنها ترافقت مع إصلاحات اقتصادية حقيقية وسياسات للسيطرة على التضخم، ما أسهم في استعادة الثقة في الليرة التركية في ذلك الوقت».وأضاف قناص «زيمبابوي وفنزويلا على النقيض، قامت كلتا الدولتين بحذف الأصفار عدة مرات دون معالجة الأسباب الجذرية للتضخم.. النتيجة كانت فشلاً ذريعاً، إذ عادت الأصفار لتظهر بسرعة بسبب استمرار الأزمة الاقتصادية، ما زاد من فقدان الثقة بالعملة».وأوضح قناص «بشكل عام حذف الأصفار هو مجرد إجراء تقني، وليس حلاً سحرياً.. نجاحه يعتمد كلياً على السياسات الاقتصادية المصاحبة له».

تحديات تنتظر سوريا

وقال نورالله إن من أبرز التحديات «الواقع الأمني والسياسي، فالدولة لا تبسط سلطتها على كامل أراضي البلاد، وهذا ما قد يؤدي إلى تفاوت في استخدام العملة الجديدة.. وعليه فقد تشهد بعض المناطق استخدام العملة القديمة أو تعتمد عملات دول إقليمية».وأضاف نورالله «هناك أيضاً مخاطر عودة التضخم، لأن حذف الأصفار لا يكفي ما لم تُضبط السيولة والإنتاج والمعروض النقدي.. أحد التحديات المهمة يتعلق بمخاطر غسل الأموال، فاستبدال الكميات الكبيرة لدى المضاربين أو العاملين في أنشطة غير شرعية قد يعقد العملية، خاصة مع ضعف خبرات سوريا في هذا المجال، وتبقى البنية التكنولوجية المتهالكة في النظام المصرفي السوري أحد أهم العقبات».وفي السياق نفسه يرى قناص أن أبرز التحديات هو «ضعف الثقة، إذا كانت هناك خطة سورية لحذف أصفار فإنها تأتي في ظل أزمة اقتصادية حادة ونقص في الثقة بالعملة الوطنية، هذا قد يجعل المواطنين يشككون في جدوى هذه الخطوة، وربما يتجهون أكثر نحو الدولار أو غيره من العملات الصعبة».وأضاف قناص «أيضاً التكاليف التشغيلية من بين أبرز المخاطر، فتغيير العملة يتطلب إعادة برمجة جميع الأنظمة المالية في البنوك والشركات، وتحديث أجهزة الصراف الآلي، وتدريب الموظفين، وهذا يتطلب وقتاً وتكلفة كبيرة».وقال قناص «هناك أيضاً التداعيات النفسية والاجتماعية، فقد يشعر الناس بأن قيمة مدخراتهم قد تغيرت، حتى وإن كانت القيمة الفعلية لم تتغير، هذا قد يؤدي إلى ارتباك في الأسواق».

عملية معقدة وفوائد محتملة

وقال الدكتور في جامعة ميد السويدية مصطفى نورالله «ستعتمد الدولة على إنشاء مراكز رسمية للاستبدال لتسهيل عملية تحويل العملة القديمة إلى الجديد، كما يمكن استخدام الحسابات المصرفية بحيث يتم استبدال الأموال بشكل أوتوماتيكي عند إيداعها».وأوضح نورالله أن فوائد هذه العملية تتمثل في «تسهيل المعاملات اليومية، فبدلاً من دفع عشرة آلاف ليرة سيدفع المواطن مئة ليرة فقط ما يخفف التعقيد في الحياة الاقتصادية، أيضاً هنا فوائد على مستوى إعادة تنظيم النظام المحاسبي والمصرفي تشمل تسهيل التقييم والمتابعة المالية.. وهناك نقطة شديدة الأهمية ألا وهي القدرة على قياس النقد المتداول، إذ ستكون لدى مصرف سوريا المركزي فرصة لتقدير حجم الكتلة النقدية الحقيقية المتداولة، وهو ما تفتقر إليه البلاد حالياً».ويرى نورالله أن «القرار يحمل بُعدين معاً، فهو اقتصادي من ناحية أنه يسهل الحياة اليومية ويشير إلى رغبة في تحديث البنية النقدية، وأيضاً له بُعد سياسي، فهو يحمل دلالة رمزية على بدء عهد جديد في سوريا وإزالة رموز النظام السابق حتى من العملة».

كيف تكسب دمشق ثقة السوريين؟

وقال الدكتور بجامعة قطر جلال قناص «يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة لبناء الثقة عبر الشفافية والوضوح من خلال التواصل المفتوح مع المواطنين وشرح أهداف الإجراء وكيفية تنفيذه».وشدد قناص على ضرورة إجراء «إصلاحات اقتصادية حقيقية فلا يكفي حذف الأصفار. يجب وضع خطة شاملة لمعالجة الأزمة الاقتصادية تشمل السيطرة على التضخم وإعادة هيكلة القطاعات المنتجة وزيادة الإنتاج وتحسين بيئة الاستثمار». ودعا قناص إلى «حماية أصحاب الدخل المحدود ووضع آليات لضمان عدم تضررهم من عملية التحويل، مثل رفع الأجور بشكل يتناسب مع التضخم وتوفير شبكة حماية اجتماعية قوية». وأكد قناص أهمية «استقرار سعر الصرف، فالعمل على استقرار سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية هو المؤشر الأساسي لثقة الأسواق بالعملة».وختم الخبير الاقتصادي السوري كلامه بقوله «حذف الأصفار هو خطوة جريئة قد تكون ضرورية في مرحلة ما، لكنها مجرد عملية تجميل للاقتصاد، التغيير الحقيقي يكمن في جوهر الاقتصاد نفسه، وهو إعادة الإنتاج والنمو والسيطرة على التضخم».