قمة ألاسكا: من الصراع في أوكرانيا إلى المنافسة في قطاع الطاقة والمعادن

قمة ألاسكا: من الصراع في أوكرانيا إلى المنافسة في قطاع الطاقة والمعادن

لم يكن اختيار ولاية ألاسكا الأميركية لعقد لقاء الرئيس دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين منتصف أغسطس آب 2025 مجرّد صدفة أو خياراً بروتوكولياً، فبينما بدا الهدف المعلن وقف الحرب في أوكرانيا، كشفت أجواء القمة ورسائلها الخفية عن رهانات اقتصادية أوسع: من مستقبل صادرات الطاقة الروسية والعقوبات الغربية، إلى سباق السيطرة على ثروات القطب الشمالي وممراته البحرية.وتلعب روسيا دوراً محورياً في هذا المشهد، إذ تمتلك أطول سواحل على المحيط المتجمد الشمالي وتسيطر على نحو نصف الموارد المعدنية والنفطية المكتشفة في المنطقة. وقد استثمرت موسكو مليارات الدولارات في بناء أسطول من كاسحات الجليد وتوسيع وجودها العسكري والاقتصادي هناك، ما يجعلها منافساً رئيسياً للولايات المتحدة وحلفائها في سباق السيطرة على القطب الشمالي.
خبراء الاقتصاد والسياسة رأوا أن الاجتماع في ألاسكا أعاد طرح سؤال جوهري: كيف ستعيد الحرب في أوكرانيا تشكيل خريطة الطاقة العالمية وتوازنات السوق؟

الموقع بين الجغرافيا والاقتصاد

اختيار ألاسكا وفّر للطرفين نقطة وسطية آمنة لوجستياً، لكنّه أيضاً حمل بُعداً اقتصادياً، فالولاية تُعد من أكبر مصادر النفط والغاز الأميركية، وبوابة الولايات المتحدة نحو القطب الشمالي الغني بالموارد، انعقاد اللقاء هناك عكس إدراكاً من واشنطن وموسكو أن مستقبل الصراع لا يُقاس فقط بحدود أوكرانيا، بل أيضاً بتأثيراته على أسواق الطاقة العالمية، وفقاً لما جاء في رويترز وشبكة PBS الأميركية.

العقوبات والرهان على موارد الطاقة

ملف العقوبات كان حاضراً بقوة في النقاشات، روسيا، ثاني أكبر مُصدّر للنفط عالمياً، تُحاول كسر الطوق الغربي عبر صفقات جانبية مع دول آسيوية، فيما يلوّح ترامب بإعادة صياغة العقوبات بما يخدم مصالح الطاقة الأميركية. وفقاً لـ«واشنطن بوست»، فإن ترامب أراد استخدام اللقاء للضغط نحو اتفاق يخفّف القيود على بعض الصادرات الروسية مقابل ترتيبات أمنية، وهو ما قد ينعكس على أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.

القطب الشمالي.. الثروة الخفية

ألاسكا ليست مجرد قاعدة عسكرية، بل خط مواجهة في سباق السيطرة على القطب الشمالي. المنطقة تحتوي على نحو 13% من احتياطات النفط غير المكتشفة و30% من احتياطات الغاز، إضافة إلى معادن استراتيجية كالنيكل والليثيوم. وأكد تقرير «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» (ECFR) أن اختيار ألاسكا يُعيد تسليط الضوء على هذا الملف، حيث تتنافس موسكو وواشنطن على طرق الملاحة الجديدة والثروات المعدنية التي ستحدد مستقبل الصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة.

الرسالة الاقتصادية لترامب

بالنسبة لترامب، كان اللقاء على أرض ألاسكا فرصة لتوجيه رسالة داخلية وخارجية في آن واحد. داخلياً، ظهر كرئيس يربط السياسة بالأمن الطاقوي، مستحضراً رمزية ولاية تعتمد على النفط والغاز. وخارجياً، قدّم ترامب نفسه كمن يملك مفاتيح ممرات التجارة والطاقة العالمية عبر بوابة القطب الشمالي. ووصفت صحيفة «واشنطن بوست» ذلك بأنه استعراض للهيبة الاقتصادية الأميركية أكثر من كونه مبادرة سلام حقيقية.

مكاسب بوتين الاقتصادية

قبول بوتين اللقاء في ألاسكا أتاح له مكسباً مزدوجاً: أولاً، كسر عزلة فرضتها العقوبات الغربية، بالظهور مع رئيس أميركي على أرض أميركية رغم مذكرة التوقيف الدولية. وثانياً، نقل النقاش من خانة «الهزيمة العسكرية» إلى خانة «تقاسم النفوذ الاقتصادي»، خصوصاً في القطب الشمالي حيث تراهن روسيا على أن تُصبح المزود الأول للموارد والمعادن إلى آسيا، وفقاً لما جاء في الجارديان وبوليتيكو.

ماذا يجري؟

يرى المجلس الأطلسي Atlantic Council أن القمة مكسب رمزي واقتصادي لموسكو، لأنها أعطت شرعية ضمنية لدور روسيا كمحاور في ملفات الطاقة والعقوبات.ويؤكد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR أن اختيار ألاسكا يضع القطب الشمالي في صلب المعادلة الاقتصادية المقبلة، حيث تتقاطع الطاقة الأحفورية مع المعادن الاستراتيجية.وتشير بوليتيكو Politico إلى أنه حتى من دون اتفاق، خرج بوتين رابحاً بالاعتراف الضمني بأهمية روسيا في معادلة الطاقة العالمية.وفي الختام، فإن قمة ألاسكا لم تُنتج اتفاقاً لوقف الحرب، لكنها عكست تحوّل الصراع الأوكراني إلى ورقة ضغط في أسواق الطاقة العالمية، فالنفط والغاز والمعادن القطبية بدت حاضرة بين السطور أكثر من مستقبل خاركيف أو دونيتسك، فاختيار ألاسكا بالذات أكد أن الاقتصاد، وليس السياسة فقط، هو المحرّك الحقيقي للتنافس بين واشنطن وموسكو، وبذلك، فإن ما جرى في أنكوريج قد يكون مؤشّراً على شكل النظام الاقتصادي العالمي المقبل، حيث تُحدّد الثروات القطبية وأسعار الطاقة مسار التحالفات بقدر ما تفعل الجيوش.