بعلبك – الهرمل تعيد إحياء وحدتها: لحظة تاريخية تجمع القلوب والأرواح في استقبال المطران فرحا (صور وفيديو)

للمرة الأولى منذ عقود، توحّدت القلوب قبل الأجساد، واجتمع مسيحيو بعلبك – الهرمل من كل أطيافهم وانتماءاتهم وقراهم، على كلمة واحدة وصوت واحد، في لقاء استثنائي احتفاءً بقدوم راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيّين الكاثوليك المطران مخائيل فرحا.
الصور للزميلة لينا إسماعيل
لقد تجاوز هذا الجمع الفريد الانتماءات الفئوية والسياسية، وتحوّل من مجرد مناسبة دينية إلى رسالة اجتماعية وسياسية واضحة، أكدت على أن الروابط الروحية أقوى من أي انقسامات، وأن مسيحيي بعلبك الهرمل لا يزالون جزءاً حيوياً وأساسياً في نسيج المنطقة.
إنه مشهد لم يُجمع فيه الناس على طقس كنسي فحسب، بل على رجاء متجدد وراعٍ جديد، أعاد للكنيسة بهاءها وللرعية نبضها.
وكان في استقبال المطران فرحا عند مدخل المدينة حشد من الشخصيات الدينية والمدنية يتقدمهم السفير البابوي المطران بولا بورجيا، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك البطريرك يوسف العبسي، رئيس أساقفة طرابلس والشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، راعي أبرشية دير الأحمر وبعلبك للموارنة المطران حنا رحمة، راعي أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصوري، المطران عصام درويش، المطران كيرلس سليم بسترس، رئيس أنطش سيدة المعونات المارونية في بعلبك الأب شربل طراد، النائب الاسقفي العام للأبرشية الأرشمندريت يوسف شاهين، كاهن الرعية الخوري مروان معلوف، كاهن رعية بلدة راس بعلبك الاب إبراهيم نعمو، كاهن رعية بلدة القاع الأب اليان نصرالله، رئيس بلدية بعلبك المحامي أحمد الطفيلي ونائبه عبد الرحيم شلحة بالإضافة إلى لفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، وحشد غفير من أبناء بعلبك الهرمل.
استقبال المطران مخائيل فرحا في بعلبك (لينا إسماعيل)
في كلمة ترحيبية خلال التولية القانونية داخل كاتدرائية “القديستين الشهيدتين تقلا وبربارة” خلال مراسم التنصيب، رحّب المطران ضاهر بالبطريرك العبسي، معتبراً حضوره شرفاً لمدينة بعلبك العريقة. كما رحب بالمطران مخائيل فرحا، الذي تسلم عصا الرعاية بعد شغور دام لأكثر من ثلاث سنوات.
وتوجه ضاهر بالدعاء للراعي الجديد فرحا، طالباً من الرب أن يمنحه الصحة والقوة للقيام بمهامه الأساسية في التعليم والتقديس والتدبير، مؤكداً على أمله في أن يكون المطران الجديد “أباً محباً” لأبناء المنطقة، بجميع أطيافهم وطوائفهم، وأن يواصل مسيرة المحبة والانفتاح التي تميزت بها الأبرشية.
وفي الختام، قدم المطران ضاهر شكره لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم، معتبراً إياه حدثاً يزرع “رجاءً جديداً” في قلوب أبناء الأبرشية، ويمنحهم دفعة قوية للانطلاق في مسيرتهم مع راعيهم الجديد.
تلا البطريرك يوسف العبسي خلال حفل التنصيب “الرقيم البطريركي”، الذي أكد فيه على أن المطران فرحا تم اختياره بالإجماع في السينودس المقدس، وبموافقة قداسة البابا الراحل فرنسيسفي المجمع المنعقد في زحلة من 16 إلى 20 حزيران 2025 .
ودعا الرقيم أبناء الأبرشية للترحيب بالمطران الجديد، قال : “يا بعلبك أجيلي عينيك حواليك وانظري فها أبناؤك جاؤوا ومثلوا لديك مثلَ كواكب مستنيرة بالله، من من كلّ رعايا الأبرشيّة المباركة. فارفعي الرايات وأطلقي الأهازيج”، مشيراً إلى أنه قادم إليهم “على جناح المحبة والغيرة والعزم والإقدام”، وحاملاً معه أحلاماً ومشاريع جديدة.
ووجّه البطريرك رسالة إلى أبناء بعلبك، حثهم فيها على “الالتفاف من حوله، وحبه، ووضع أيديهم بيده” لمساعدته في مهمته، مؤكداً على أن بناء الأبرشية وازدهارها “عمل مشترك” يقع على عاتق الجميع.
كما أشار الرقيم إلى أن أعمدة بعلبك التاريخية هي مصدر إلهام لأبنائها ليكونوا “راسخين في أرضنا متطلعين إلى السماء”، وأن الكاتدرائية هي شاهد على إيمان الأجداد. وختم بتوجيه الشكر لكل من المطران ضاهر الذي تولى تدبير الأبرشية خلال فترة الشغور، والأرشمندريت يوسف شاهين.
“بعلبك ليست فقط مدينة التاريخ والحضارة، بل هي أرض الإيمان والصمود والتنوع المبارك. إنها مدينة الكنيسة الحية، التي وإن قلّ عدد أبنائها، فهي كبيرة بالإيمان، ثابتة بالرجاء، وغنيّة بالمحبة”.
بهذه الكلمات، استهلّ المطران الجديد فرحاً كلمته خلال استقباله في مدينة بعلبك، مُخاطباً أبناء الأبرشية بحضورٍ أبويّ لامس القلوب.
وأضاف: “أعرف التحديات التي نعيشها جميعاً، من الضيق الاقتصادي، إلى نزيف الهجرة، إلى الشعور بالتهميش. لكن إيماننا ليس عددياً فقط، بل نوعيّ، يُترجم بمحبة حقيقية وشهادة حية”.
وخاطب أبناء المدينة قائلاً: “لستم وحدكم. لقد جئت من أجلكم. جئت لأعيش معكم إيماننا، ونزرع معًا الرجاء في هذه الأرض التي تستحق كل حب ووفاء. أعدكم أن أكون أسقفاً خادماً، لا متسلطاً. أسقفاً يصغي، يزور، يرافق، ويخدم”.
وتابع: “الكنيسة ليست شخصاً، بل نحن جميعاً. أحتاج إلى كل واحد منكم: بصلاة، بنصيحة، بعمل صالح… صلّوا لأجلي كي أكون راعياً صالحاً وأخاً لكم قبل أن أكون مسؤولاً عنكم”.
واختتم كلمته بتوجيه تحية محبة لجميع أبناء المنطقة من مختلف الطوائف، قائلاً: “معاً نبني، ومعاً نحب، ومعاً نصلي. المسيح حاضر بيننا، وكنيستنا حيّة، والرجاء لا يموت”.
نُثر الأرز والزهور وذبحت الخراف خلال الاستقبال تعبيراً عن الفرح والترحيب لكن هذا العرس البعلبكي الروحي الجامع، الذي أعاد إظهار صورة بعلبك الموحدة، أعلن أبناء المنطقة جهاراً: “نحن هنا، معاً، كنيسة واحدة وإن اختلفت التفاصيل”.