هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتجاوز تحديات اللغة العربية في المجال التجاري؟

تخيل أن اللغة لم تعد عائقاً.. ماذا لو أصبح بإمكان شركتك الصغيرة الوصول إلى عملاء في أوروبا، أفريقيا، وحتى أميركا اللاتينية، بسهولة؟ هذا لم يعد حلماً، بل حقيقة بفضل الذكاء الاصطناعي. ففي عالم الأعمال اليوم، لم تعد حدودك هي حدود لغتك.
يشهد العالم طفرة كبيرة في مجال الترجمة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يفتح أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط فرصاً واسعة للتوسع والتواصل مع عملاء وشركاء عالميين. ومع أن اللغة العربية تمثل عائقاً تقنياً بسبب تنوع لهجاتها وخصوبتها اللغوية، إلا أن التطور المستمر في هذا المجال يَعِد بتقليص الفجوة تقليصاً ملحوظاً.
يعتبر خبراء الأعمال أن الترجمة الفورية الذكية باتت أداة استراتيجية يمكن أن تسهم في تسريع المعاملات، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق الدولية، وجعل المحتوى العربي أكثر قرباً لغير الناطقين به. وقد أظهرت تجارب في العالم العربي أن عدداً متزايداً من الشركات استفاد فعلياً من هذه التقنيات لتوسيع أنشطته التجارية.
وبالفعل 46% من المهنيين في الإمارات والسعودية أفادوا بأن أدوات الترجمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ساعدت في توسيع أعمالهم، وفقاً لديفيد باري جونز، مدير الإيرادات في شركة DeepL.
في حديث لـ”النهار”، يؤكد رامز القرا خبير التحول الرقمي، أن هذه الأدوات “تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة على التوسع نحو أسواق غير ناطقة بالعربية، مثل الأسواق الأفريقية والأوروبية والأميركية اللاتينية وغيرها”. ويضيف أن “هذه الشركات غالباً ما تفتقر إلى الإمكانيات التي تتيح لها ترجمة منتجاتها أو عروضها التجارية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركة تبيع عبر موقع إلكتروني، فإن ترجمة المحتوى إلى لغات مختلفة كانت في السابق تتطلب الاستعانة بمترجمين متخصصين، وهو أمر مكلف ويحدّ من قدرتها على الوصول لأسواق جديدة”.
أمّا حول خدمة العملاء في القطاع، فيشير إلى أن “غياب الترجمة الذكية كان يجعل تقديم الدعم بلغات مختلفة صعباً جداً، إذ كان يتطلب توظيف خبراء يتقنون لغات الأسواق المستهدفة، وهو ما كان يعقّد عملية التوسع كثيراً. لكن اليوم يمكن للعميل التحدث بلغة ما، بينما موظف الخدمة يتحدث العربية، ومع ذلك تتمكّن أداة الترجمة من نقل الحوار في اللحظة نفسها“.
وبرغم أن حلول الترجمة الآلية ليست جديدة على المنطقة، فإن التطورات الحديثة أزالت الكثير من العوائق المرتبطة بالكلفة وصعوبة الاستخدام. فالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بالمنطقة، بدأت في تطوير نماذج متقدمة تتعامل مع عشرات اللهجات العربية، ما يجعل الترجمة أكثر دقة وملاءمة للواقع.
ماذا عن اختلاف اللهجات؟
العربية ليست لغة واحدة موحدة في الممارسة اليومية، بل فسيفساء من اللهجات التي تختلف بين بلد وآخر. كما أن غياب توحيد المصطلحات التجارية والتقنية يجعل الترجمة الآلية عرضة للأخطاء أو الالتباس، وهو ما قد يسبب أحياناً مشكلات قانونية أو إضراراً بالسمعة إذا لم تخضع الترجمة لمراجعة بشرية دقيقة.
وحول هذه المسألة، يعلّق القرا، أنه “حتّى في لبنان مثلاً، هناك تنوع في اللهجات، وأحياناً قد تحمل الكلمة معنى مختلفاً تبعاً للهجة المستخدمة، ما يجعل عملية الترجمة الدقيقة في هذه الحالات أمراً صعباً”.
ولفت إلى أن “هذه الأدوات تحتاج إلى مجموعات بيانات ضخمة ومتنوعة لتصبح قادرة على إنتاج ترجمات دقيقة. غير أن المحتوى المتوافر باللغة العربية للتدريب التقنيات لا يزال محدوداً، الأمر الذي يشكّل تحدياً كبيراً أمام تطور أدوات الترجمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي”.
مع ذلك، يرى متخصصون أن هذه الأدوات يجب النظر إليها كوسيلة لتعزيز الفهم البشري لا كبديل منه، إذ يمكن أن تختصر الوقت وتخفض التكلفة وتفتح أسواقاً جديدة، لكنها تحتاج دائماً إلى مزيج من التقنية والخبرة الإنسانية لتحقيق أفضل النتائج.
في النهاية، يمثل الذكاء الاصطناعي في الترجمة خطوة كبيرة نحو عالم أكثر تواصلاً، لكنه في حالة اللغة العربية يفتح أيضاً نقاشاً أوسع حول ضرورة الموازنة بين دقة التكنولوجيا وحساسية اللغة والثقافة.