المستشار السياسي لوزارة الخارجية الفلسطينية لـ’النهار’: عباس سيتحدث عبر الفيديو إذا لم تقم واشنطن بتغيير قرارها حول التأشيرات.

المستشار السياسي لوزارة الخارجية الفلسطينية لـ’النهار’: عباس سيتحدث عبر الفيديو إذا لم تقم واشنطن بتغيير قرارها حول التأشيرات.

في عام 1988، وبينما كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يستعد لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة بنيويورك، رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول لاتهامه بالتورط بـ”الإرهاب”، على خلفية إعلان المجلس الوطني الفلسطيني من الجزائر قيام الدولة الفلسطينية في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام.

يومها، أثار الموقف الأميركي أزمة ديبلوماسية كبيرة، وقوبل قرار وزير الخارجية آنذاك جورج شولتز بالاستهجان، وقيل إن القرار اتخذ من دون التنسيق مع الرئيس رونالد ريغان، فيما أتى الرد الفلسطيني غاضباً: “ياسر عرفات إرهابي بنفس قدر أول رئيس أميركي جورج واشنطن”. وإزاء التعنت الأميركي، وفي خطوة استثنائية قررت الأمم المتحدة نقل اجتماعات الجمعية العامة إلى مقرها الأوروبي في مدينة جنيف بسويسرا.

 

السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور.

 

 

بعد 37 عاماً، أصدرت الخارجية الأميركية بياناً جاء فيه أن وزير الخارجية ماركو روبيو ألغى تأشيرات دخول كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس إلى الولايات المتحدة لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، مبرراً ذلك بأن السلطة الفلسطينية “لا تلتزم تعهداتها ولا تتنكر للإرهاب، ولم تكفّ عن التحريض ومحاولات الالتفاف على المفاوضات بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية”.

علقت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية  في افتتاحيتها على القرار بالقول: “لا يتصرف الوسيط النزيه بهذه الطريقة، بل دولة تنحاز تماماً لصالح إسرائيل التي تعارض حكومتها كل ’يوم تالٍ‘ في القطاع، وتدفع قدماً بضم الضفة وإعادة احتلال غزة”.

 

اتفاقية استضافة المقر 
بينما تنتهك الولايات المتحدة بين الحين والآخر اتفاقية المقر التي تنظم العلاقات مع الأمم المتحدة والتي كانت أبرمت في 1947، تنص اتفاقية الاستضافة الموقعة على أن مقر المنظمة العالمية يتمتع باستقلالية واسعة، وهو “يخضع لسيطرة الأمم المتحدة وسلطتها”.

على الولايات المتحدة ألا تعرقل مرور موظفي الأمم المتحدة وممثلي الدول الأعضاء والخبراء المدعوين وممثلي وسائل الإعلام المعتمدين إلى منطقة المقر. وتشمل إجراءات إصدار التأشيرات بحسب الاتفاقيات المبرمة “إصدارها مجاناً وبأسرع وقت ممكن”.

 

بين منع أبو عمار وأبو مازن 
في 13 كانون الأول/ديسمبر 1988 خاطب عرفات من جنيف الإدارة الأميركية ودول العالم قائلاً: “تعرف الإدارات الأميركية المتعاقبة أن شهادة الميلاد الوحيدة لقيام دولة إسرائيل هي القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، والذي وافقت عليه حينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وينص على قيام دولتين في فلسطين، واحدة عربية فلسطينية وثانية يهودية.

فكيف تفسر الحكومة الأميركية موقفها الذي يقر ويعترف، بنصف هذا القرار المتعلق بإسرائيل، ويرفض نصفه الآخر المتعلق بالدولة الفلسطينية؟ بل وكيف تفسر عدم التزامها بتنفيذ قرار سبق لها وأن تبنته أكثر من مرة في جمعيتكم الموقرة، وهو القرار الرقم 194، والقاضي بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وممتلكاتهم التي طردوا منها، أو التعويض على من لا يرغب في العودة؟”.

يرى المحللون والخبراء أن منع عرفات من دخول الولايات المتحدة كان حالة استثنائية مرتبطة بمرحلة ما قبل أوسلو، لكن منع عباس مهندس “اتفاق أوسلو” لا تفسير له، علماً أن سياسات الإدارة الأميركية أصبحت أشد قسوة على الفلسطينيين، فالمنع يشمل أيضاً مختلف الشرائح الاجتماعية التي تحمل جواز السفر الفلسطيني.

 

“النهار” سألت المستشار السياسي لوزيرة الخارجية والمغتربين السفير أحمد الديك، فعلّق بالقول: “عبّرنا عن استهجاننا واستغرابنا هذا القرار الذي يتناقض مع الجهود التي يبذلها الرئيس ترامب والمواقف التي يعلنها عن محاولته إنهاء الحروب وحل النزاعات وإحلال السلام في العالم. كما يتناقض مع اتفاقية المقر المبرمبة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، فالأسباب التي طرحها روبيو غير مبررة لنا وغير صحيحة، لذلك قمنا بإرسال رسالة له وقلنا إن الأسباب غير منطقية ونقلنا الرسالة للصحف الأميركية، إضافة إلى تخوفنا من هذا القرار ، وأن تقوم الحكومة الإسرائيلية بالبناء عليه والتصعيد باتخاذ مزيد من الإجراءات التعسفية ضد الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية”.

وأضاف الديك: “نحن حريصون على بناء أقوى وأمتن العلاقات على المستوى الثنائي مع الإدارة الأميركية وبيننا وبينها قنوات حوار، وكان بإمكان روبيو أن يناقش القيادة الفلسطينية إذا كان لديه أي تحفظات عبر هذه القنوات، لكنه لم يلجأ إلى هذه الطريقة الديبلوماسية، لذلك نقوم بالجهود الديبلوماسية مع الدول العربية والإسلامية في محاولة لثني الإداراة الأميركية عن قرارها”.

 

وعمّا إذا كانت القيادة ستحاول التواصل مع الوزير الخارجية الأميركي الذي سيصل إلى إسرائيل في زيارة في 14 أيلول الجاري، وسيشارك خلالها في فعالية للمنظمة الاستيطانية التي تسيطر على الموقع الأثري”مدينة داوود” في بلدة سلوان جنوب الحرم القدسي الشريف، يجيب الديك: “لا معلومات تفصيلية عن برنامج زيارة الوزير لإسرائيل، والسؤال يجب أن يوجه لروبيو: لماذا لا يقوم بزيارة القيادة الفلسطينية والتحاور معها بشأن كافة القضايا، خاصة أن لدينا كامل الاستعداد لاستقباله وأننا مستعدون لمناقشة كافة القضايا الجوهرية وهذا القرار”.

أما بخصوص نقل اجتماعات الجمعية العمومية إلى جنيف أو نقل المؤتمر الفرنسي- السعودي للاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى باريس، أوضح الديك: “نحن والأشقاء العرب لا نزال نبذل قصارى جهودنا مع الإدارة الاميركية لتغيير قرارها، في حال أصرت الإدارة الأميركية على هذا القرار. القيادة الفلسطينية لديها رؤية بأن تبقى الاجتماعات كما هي في مكانها وموعدها في نيويورك، وسيقوم الرئيس عباس بالمشاركة وإلقاء كلمته عبر الفيديو”.