تونس: دعم غزة في ظل التحديات الاقتصادية – صراع حول المقاطعة يتجدد

الاقتصاد أم الانتصار للمبادئ؟ هذا السؤال كان محور سجال واسع بين التونسيين في الساعات الأخيرة، بعد انتشار مقاطع فيديو من داخل المركب متجر “كارفور” في العاصمة، يظهر فيها رجال الحراسة وهم يتشابكون مع عدد من ناشطي حملة مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل.
ووفق الفيديو، ظهر رجال مكتوب على قمصانهم “موظفو حراسة”، وهم يقومون برمي المتظاهرين بالكراسي، وأظهر المقطع المصور أحدهم والدماء تنزف من رأسه قبل أن تتدخل الشرطة وتعتقل عدداً من المشاركين في هذا الحادث.
يعتقد جزء من الرافضين لمثل هذه التحركات أنها تُضر بالاقتصاد التونسي ولا تنفع القضية الفلسطينية. (ا ف ب)
سجال واسع
ما حدث نهاية الأسبوع في تونس هو حلقة من حلقات مماثلة تعرض فيها ناشطون ضمن حملة مقاطعة المنتجات الداعمة للجيش الإسرائيلي للتعنيف من طرف عمّال بشركات متهمة بدعم إسرائيل.
ومنذ بداية الحرب على غزة، انخرط عدد من الناشطين التونسيين في حملات المقاطعة، نظموا تحركات واحتجاجات أمام شركات ومحال تجارية تقول إنها تدعم إسرائيل، وكان متجر “كارفور” من أبرز أهدافها.
وغالباً ما تُعيد هذه الحوادث النقاش في تونس بشأن جدوى هذه الحملات وما هو الأهم: هل يأتي الاقتصاد أولاً أم الانتصار للمبادئ أولاً؟
ضرر اقتصادي كبير
ووصف السياسي التونسي محسن مرزوق الواقعة بـ”غزوة كارفور”، وكتب منشوراً مُطوّلاً تساءل فيه عن “مدى جدية اعتقاد من توجهوا للاحتجاج أمام المساحة التجارية كارفور أن في ذلك دعماً لغزة”.
وتساءل: “هل بقطع مورد رزق آلاف العائلات التونسية، لا الإسرائيلية، تكونون قد قدمتم فعلاً الدعم للقضية الفلسطينية؟”. وأضاف: “عندما تخلقون تناحراً داخلياً في بلدكم، هل سيزعج هذا إسرائيل؟”. وواصل مشبّهاً ما حدث بمسيرة فك الحصار عن غزة التي كان هدفها التضامن مع القطاع لكنها في النهاية تسببت في خلق توتر مع ليبيا ومصر.
وأبدى مرزوق تفهمه لـ”حالة القهر التي تشعر بها الأغلبية أمام ما يحدث في غزة، لكن ذلك لا يعني الدفع نحو التدمير الذاتي”. وختم محمّلاً الخطاب الرسمي جزءاً من مسؤولية ما حدث بسبب شحنه المتواصل للعواطف، لافتاً إلى أن “العواطف الفالتة والعقول العاطلة مسؤولة عن 70 عاماً من الهزائم”.
ويعتقد جزء من الرافضين لمثل هذه التحركات أنها تُضر بالاقتصاد التونسي ولا تنفع القضية الفلسطينية. وفي تقديرهم، تستهدف مثل هذه الحملات شركات تُشغل عدداً كبيراً من التونسيين وتضع مورد رزقهم في خطر، معتبرين أن الاقتصاد يأتي أولاً.
وتؤكد سنية، وهي موظفة في شركة “كارفور”، لـ”النهار”، أنها تشعر بالتعاطف مع غزة لكنها في المقابل تريد الحفاظ على مصدر رزقها. وتشغل شركة “كارفور تونس” نحو 5000 موظف تونسي، وتسوق منتجات الفلاحيين والشراكات الصناعية التونسية، مؤكدة أن اسم “كارفور” يُستعمل فقط كعلامة تجارية.
ويحذر عدد من خبراء الاقتصاد من أن مثل هذه التحركات قد تبعث برسائل سلبية للمستثمرين الأجانب وتجعل تونس وجهة غير محببة لهم، في وقت تسعى فيه البلاد لجذب الاستثمار ومواجهة الانكماش الاقتصادي.
انتصار للقضية العادلة
لكن الناشطين في حملة المقاطعة يصفون كل التبريرات المقدمة من الشق المناهض لهم بـ”الواهية”، معتبرين أن الانتصار للمبادئ يأتي قبل كل شيء.
ويقول الناشط منذر عفيفي لـ”النهار”: “في إيطاليا أجبرت الحملات الشركة الداعمة لإسرائيل على الإغلاق. نحن عاجزون عن دعم غزة مباشرة، فهذه أبسط وسيلة يمكن تقديمها”.
ويؤكد أن الناشطين لا يسعون لإلحاق الضرر بالاقتصاد التونسي، بل لإجبار الشركات على وقف دعم الجيش الذي يقتل الأبرياء في فلسطين بأموالنا.
قانون التجريم
وتأتي التظاهرات المتكررة في ظل خطاب رسمي تونسي ينتصر لغزة ويعتبرها “أم القضايا العادلة”، كما جاء في توطئة دستور 2022، مقابل عجز البرلمان عن تمرير قانون يُجرم التطبيع، كان آخرها في نوفمبر 2023، عندما تم تأجيل التصويت عليه، ما يُعيد طرح التساؤلات حول جدوى الاحتجاجات وحملات المقاطعة.