كيف نحصل على الإنترنت المحلق عبر LEO في لبنان دون تكاليف إضافية؟

وسيم منصور*
يشهد العالم سباقًا لسدّ الفجوة الرقمية وتمكين اتصالٍ عادلٍ بالإنترنت، باعتباره بنيةً تحتية لا تقلّ أهمية عن الكهرباء والمياه. ورغم التقدّم الكبير في الألياف البصرية وشبكات الموبايل، ما زالت “الميل الأخير” (Last mile) والتضاريس وكلفة الصيانة تعرقل تعميم النفاذ. هنا يبرز الإنترنت الفضائي عبر مجموعات الأقمار ذات المدار الأرضي المنخفض (LEO – Low Earth Orbit) كخيار سريع النشر، ويؤمّن زمن استجابة (Latency) منخفضًا، لكنه ليس بديلًا للشبكات الأرضية، بل طبقة تكميلية تُسدّ بها الفجوات، وتُرفع بها مناعة الشبكات عند الطوارئ.
ثلاثة تطوّرات مكّنت LEO من الانتشار السريع:
– خفض كلفة الإطلاق مع إعادة استخدام الصواريخ
– تصنيع أقمار صغيرة على دفعات
– “أطباق ذكية” سهلة التركيب (User Terminals).
تُدار هذه الشبكات برمجيًا وتستخدم روابط ضوئية بين الأقمار (Optical inter-Satellite Links) لتقصير المسارات؛ والنتيجة خدمة أسرع وأكثر مرونة. في المقابل، تبقى السعات مشتركة (Shared Capacity)، وتحتاج سياسة “استخدام عادل” (Fair Use Policy- FUP) واضحة، وبوابات أرضية محليّة (Local Gateways) تحفظ السيادة، ومؤشرات أداء مُعلنة.
عالميًا، يُقدَّر مستخدمو الإنترنت بنحو 5,5 مليارات (قرابة 68% من البشر)، فيما هناك نحو 2,6 مليار ما زالوا خارج الشبكة. لذلك تتبنّى الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات هدف “الاتصال المُجدي” (Meaningful Connectivity) بحلول 2030: اتصال آمن وميسور وفعّال، لا مجرد إشارة عابرة. في هذا السياق، تنمو خدمات LEO بسرعة. وقد أعلنت Starlink تجاوز الـ 6 ملايين مشترك في منتصف 2025. مع ذلك، تبقى الحصة الفضائية صغيرة مقارنة بالقاعدة العالمية المبنية على الألياف والموبايل. فـLEO يقدّم قيمة نوعية في الأطراف الجغرافية والبحر والجو والمهامّ الحرِجة، أكثر مما يقدّم “بديلًا شاملًا”.
دروس الدول المتقدّمة واضحة: تُعامَل LEO كخدمة مكمّلة ضمن تراخيص محدّدة (بحري/جوي/مناطق نائية/ظهرية- Backhaul)، مع بوابات محليّة، وتوطين بيانات، ومؤشرات أداء مُعلنة، وعدم حصرية. ولا يحصل أي مزوّد -ومنهم Starlink وEutelsat OneWeb- على “ترخيص شامل بلا قيود”؛ فالترخيص مجزّأ ومشروط بنوع الخدمة والنطاقات ومواقع البوابات، وقابل للتعديل أو التوقيف الإجرائي. في المقابل تُسرّع دول نامية إدخال LEO لسدّ الفجوات، لكنها تنجح حين تُحكِم البوابات المحلية، وتضبط “السوق الرمادية”، وتدمج الخدمة في الشبكات الوطنية بدل تركها تنتشر على حساب الاستثمار الأرضي.
لبنان ليس “قالبًا نمطيًا” للدول النامية تقنيًا. فهو بلد صغير وكثيف السكان ومتماسك عمرانيًا؛ نظريًا يمكن تغطيته بألياف و4G/5G بكلفة أقل لكل مستخدم مقارنة ببلدان شاسعة. العائق هنا مؤسّسي لا جغرافي: طاقة غير مستقرّة لمواقع الخلوي، ظهرية تختنق، ترقّيات بطيئة، وحوكمة ضعيفة. مع إصلاح بنيويّ (منظّم مستقلّ فعّال، خطة وطنية للألياف وBackhaul، مشاركة بنية، طاقة موثوقة، ومؤشرات أداء علنية) يصبح إدخال LEO تكميلًا منظّمًا يرفع الموثوقية واستمرارية الخدمة (Reliability /Resilience) بدل أن يزاحم الاستثمار الأرضي.
إن تقرّر سياسيًا المضيّ بإدخال LEO إلى لبنان، فينبغي حسم قناة الإدخال بين مسارين عالميين: الأول، النموذج التكاملي/الجُملة (Wholesale/Backhaul) عبر المشغّل الوطني (نمط OneWeb). يشتري المشغّل سعات LEO ويعيد بيعها للشركات والمؤسسات، وتُوجَّه للاستخدامات ذات المردود العام—الظهرية الخلوية (Mobile Backhaul)، الربط المؤسسي، الطوارئ واستمرارية الأعمال، والمناطق النائية (مدارس/صحّة). يمرّ كل ذلك عبر بوابات محلية وتوطين بيانات واعتراض مشروع، ضمن عدم حصرية وتكافؤ نفاذ (Equivalence of Input – EoI) ومؤشرات أداء (KPIs) مُعلنة. هكذا نحصل على طبقة فضائية تدعم الشبكات بدل أن تنافسها، وتطمئن السوق. والثاني، النموذج المباشر للعميل (Direct to Customer – D2C). بيع العِدّة والاشتراك مباشرة إلى الأفراد والشركات عبر التطبيق/الويب (نمط Starlink). ميزته الوصول السريع، لكنه إذا تُرك بلا ضوابط فقد يضغط على مزوّدي الإنترنت المحليين، ويخلق ثغرات سيادة بيانات، ويُنشّط السوق الرمادية، وقد تهبط الجودة في الذروة إن غابت سياسة “استخدام عادل” ملزمة. إن أُجيز، فليُقنَّن لحالات محدودة (نقاط نائية جدًا/بحر/طوارئ) وببوابات محلية (Local Gateways) وترخيص موزّعين وسقوف واضحة للخطط.
خلاصة القول، الإنترنت الفضائي عبر LEO لن يحلّ محلّ الشبكات الأرضية في لبنان، لكنه قادر —إذا أُدخل بعقل بارد — على سدّ الفجوات ورفع مناعة الشبكة. الطريق الآمنة تبدأ بإصلاحٍ مؤسّسي سريع، ثم بإدخالٍ مُنظَّم يَغلِب فيه نموذج الجُملة التكاملي، مع نافذة D2C محدودة ومُقنّنة. بهذه الصيغة نحمي السيادة الرقمية والمنافسة واستدامة الاستثمار الأرضي، ونبني طبقة “احتياط وطني” (National Backup Layer ) تعزّز خدمة الإنترنت للجميع.
*خبير اتصالات والمدير العام السابق لشركة “تاتش”