الميثاقية والطائف: التناقض في خطاب الثنائية الشيعية

الميثاقية والطائف: التناقض في خطاب الثنائية الشيعية

منذ لحظة إعلان الحكومة اللبنانية نيتها حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، برز اعتراض واضح من “حزب الله” وحركة “أمل”، اللذين اعتبرا أن مثل هذا القرار “غير ميثاقي”، مستندين إلى مبدأ المشاركة الطائفية في القرارات المصيرية. وقد ترافق ذلك مع انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسات، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول حدود الميثاقية من جهة، والتزام اتفاق الطائف من جهة أخرى.

 

الميثاقية في التجربة اللبنانية ليست نصا دستوريا مكتوباً، بل ممارسة سياسية نشأت بعد الطائف وتطورت تدريجاً لتصبح بمثابة “حق نقض” طائفي غير معلن. وقد استخدمت مختلف القوى هذا المفهوم بحسب الظرف والمصلحة، ما جعله يتحوّل من ضمان للشراكة إلى أداة تعطيل.

 

في المقابل، فإن اتفاق الطائف الذي يشكل المرجعية الدستورية والسياسية لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية، نص بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحلّ جميع الميليشيات. الطائف كان واضحا في تحديد وظيفة الدولة حاضنة وحيدة للسلاح الشرعي، حفاظا على سيادتها ووحدتها الداخلية. الاستثناء الوحيد الذي طبّق عملياً كان إبقاء سلاح “حزب الله” أو ما يسمى سلاح المقاومة (علماً أنها انحصرت بفصيل واحد) في الجنوب لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو استثناء وُلد من ظرف سياسي محدّد أكثر مما هو التزام لنص الطائف.

 

المفارقة أن الرئيس نبيه بري، الذي يرفع لواء الطائف في كل مناسبة باعتباره صك التوازن الوطني، يجد نفسه هنا في موقع التناقض. فالتذرع بالميثاقية لرفض تنفيذ بند جوهري من الطائف، أي حصر السلاح بيد الدولة، يضع الثنائي الشيعي في موقع من يتعامل مع الميثاقية كبديل من الدستور نفسه. بذلك تصبح الميثاقية أداة لتجاوز النصوص، بدل أن تكون ضمانا لتطبيقها بروحها.
وفي هذا الإطار، يؤكد أحد الذين شاركوا في صياغة اتفاق الطائف النائب السابق بطرس حرب، أنّ الاتفاق كان واضحاً في نصوصه، إذ دعا إلى حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم سلاحها إلى الدولة، من دون أي استثناء،  مشدداً على أنّ “ما يروَّج عن منح الطائف شرعية لسلاح المقاومة أو استثنائه من الحل هو تشويه للتاريخ لا أكثر”.

 

ويوضح حرب أن “ما حصل لاحقا جاء نتيجة مباشرة للوصاية السورية التي فرضت سيطرتها على لبنان، فعطّلت تنفيذ الاتفاق، وأبقت ميليشيات مسلّحة، وعلى رأسها “حزب الله”، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال، فيما كانت تتحكم عملياً في القرارين السياسي والأمني في البلاد”.

 

ويرى أنّ “الاستناد إلى وجود الاحتلال الإسرائيلي للجنوب لم يكن مبرراً في نص الاتفاق لاستثناء أي فصيل من عملية تسليم السلاح”، مشدداً على أنّ “مهمة تحرير الأرض والدفاع عنها أوكلها الطائف حصراً إلى الجيش اللبناني، لا إلى أي طرف آخر”.

 

الواقع أن أي قرار حكومي بنزع سلاح “حزب الله” لا يمكن عزله عن الانقسام السياسي والطائفي في البلاد. ولكن من الناحية المبدئية، لا يمكن القول إن التمسك بالسلاح خارج الدولة “ميثاقي”، فيما نص الطائف واضح لناحية ضرورة إنهاء كل المظاهر المسلحة. وإذا كان الخروج عن الطائف قد تم تبريره في التسعينيات بحجة استمرار الاحتلال، فإن استمرار هذا الخروج بعد التحرير عام 2000، وتحوّله إلى قاعدة دائمة، يعكس خللاً عميقاً في فهم الميثاقية.

 

في المحصلة، التناقض القائم اليوم ليس بين الحكومة والثنائي الشيعي فحسب، بل بين تفسيرين مختلفين لمعنى الشراكة الوطنية: الأول يستند إلى نص الطائف وروحه التي تقوم على تعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها، والثاني إلى عرف الميثاقية كحق نقض طائفي. وبين النص والعرف تضيع الدولة اللبنانية، وتُعطل مؤسساتها، فيما تبقى مسألة السلاح معلّقة ورهناً بموازين القوى الداخلية والإقليمية، لا بنصوص الطائف ولا بشعارات الميثاقية.