ارتفاع الأسهم الصينية: هل تعكس حالة انكماش؟

رغم الضغوط الهائلة التي يواجهها الاقتصاد الصيني، بدءًا من الرسوم الجمركية الأميركية إلى أزمة العقارات المتجذرة، يواصل سوق الأسهم تحقيق مكاسب قوية تثير التساؤلات أكثر مما تبعث على الاطمئنان. ففي شهر واحد فقط، أضافت الأسهم المحلية نحو تريليون دولار إلى قيمتها السوقية، بينما بلغ مؤشر شنغهاي المركب أعلى مستوياته في عقد، وسجل مؤشر CSI 300 ارتفاعًا يفوق 20% من أدنى مستوياته السنوية.
لكن في الجهة المقابلة، تشير معظم المؤشرات الاقتصادية الحديثة إلى صورة مقلقة: تراجع في أسعار المنازل، ضعف في الاستهلاك، تضخم قريب من الصفر، وانكماش حاد في أسعار المنتجين. هذا التناقض بين الأداء الاقتصادي الحقيقي والطفرة السوقية يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل تصعد الأسهم على أساس متين أم أننا أمام فقاعة جديدة تتشكل بهدوء؟
الجواب ليس بسيطاً. جزء من الزخم الحالي مردّه إلى نقص البدائل الاستثمارية؛ العقارات لم تعد خياراً مضموناً، وأسعار الفائدة على الودائع في مستويات منخفضة. في هذه البيئة، تتحول أموال الأفراد والمؤسسات نحو سوق الأسهم، بحثًا عن العائد، خاصة في ظل تقييمات منخفضة مقارنة بالأسواق العالمية.
من جهة أخرى، هناك تفاؤل ملموس تجاه الصناعات الناشئة، مثل الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، والتصنيع المتقدم. هذا التفاؤل يدفع المستثمرين للدخول بكثافة، مما يخلق زخماً إضافياً. كذلك، فإن بعض السياسات الحكومية الموجهة لدعم الأسواق; حتى وإن كانت محدودة, تعزز الثقة العامة.
صورة تعبيرية (وكالات)
لكن هذا لا يخفي حقيقة أساسية: الاقتصاد الصيني يواجه رياحاً معاكسة قوية. فأسعار المنتجين في تراجع مستمر منذ أكثر من 30 شهراً، ومعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي يواصل الانخفاض. قدرة الشركات على التسعير تتآكل، ما يضعف هوامش الأرباح ويزيد من هشاشة السوق. والأسوأ أن أي صعود في السوق اليوم قد يُعقّد استجابة السياسات لاحقًا، لأن ضخّ سيولة إضافية في ظل مكاسب قوية قد يُغذي فقاعات مالية بدلاً من دعم الاقتصاد الحقيقي.
الذكريات تعود إلى عام 2015، حين شهدت الصين فورة في الأسهم أعقبتها انهيارات حادة. صحيح أن المكاسب الحالية تبدو أكثر اعتدالاً، لكن الظروف الاقتصادية; خاصة على صعيد الطلب المحلي والانكماش تثير القلق.
عامل آخر يستحق التوقف عنده هو هيمنة مستثمري التجزئة على السوق، حيث يشكلون النسبة الأكبر من التداول اليومي. هذه الطبيعة “العاطفية” للسوق تجعلها أكثر عرضة للتقلبات الحادة، خاصة عندما تتغير المعنويات فجأة.
رغم كل ذلك، هناك من يرى أن هذه الموجة يمكن أن تستمر على المدى القصير، مدفوعة بالسيولة، وتحسن طفيف في المؤشرات، وزيادة الانخراط في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن استمرار هذا الاتجاه يتطلب أكثر من مجرد زخم مؤقت أو دعم معنوي؛ يتطلب تحسناً حقيقياً في الأساسيات الاقتصادية.
الرهان الآن ليس فقط على صعود السوق، بل على قدرة الاقتصاد الكلي على اللحاق بها. إذا لم يتحقق هذا التوازن، فإن السؤال لن يكون “إلى أين تتجه الأسهم؟”، بل “متى تنفجر الفقاعة؟”