تعيين وزير أول جديد في الجزائر… خطوة غير متوقعة برسائل متناقضة

في خطوة بدت مفاجِئة، أقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية الأسبوع وزيره الأول نذير العرباوي من رئاسة الحكومة، وعيّن بدلاً منه وزير الصناعة سيفي غريب. ويأتي هذا التغيير على رأس الجهاز التنفيذي قبل أيام قليلة من موعد الدخول المدرسي والاجتماعي (عودة العاملين من عطلتهم السنوية) الذي توليه الدولة عناية خاصة، وبعد أقلّ من أسبوعين على حادثة سقوط حافلة ركاب في وادي الحراش، ما جعل الطبقة السياسية والبلد بأسره في حالة مباغتة.
الوزير الأول الجديد في الجزائر سيفي غريب.
يقول الإعلامي عبد المالك سنيقري، لـ”النهار”، إن “التعيين المفاجئ جاء في لحظة دقيقة، في ظل توتر اجتماعي وغضب شعبي متصاعد وانتقادات متزايدة لأداء الحكومة في ملفات اقتصادية واجتماعية حسّاسة”، واصفاً الخطوة بأنها “رسالة مزدوجة داخلياً وخارجياً”.
ويوضح سنيقري أن “الرئيس تبون أراد داخلياً التأكيد على أن السلطة تستجيب لمطالب التغيير وتتحرك لإيجاد حلول ولو عبر تغيير الأشخاص”، أما خارجياً فهو “يوجّه إشارة إلى أن الاقتصاد لا يزال في صلب اهتمامات الجزائر، مع طمأنة رجال الأعمال والمستثمرين بوجود قيادة تنفيذية مرتبطة بالقطاع الصناعي”.
وبحسب سنيقري، فإن “التغيير لا يعكس في جوهره إصلاحاً عميقاً، بل هو أقرب إلى خطوة تكتيكية لإعادة ضبط إيقاع عمل الحكومة”، ويلفت إلى أن “تبون، ومن خلال تجاربه السابقة، أثبت أنه يفضل الاحتفاظ بروح المبادرة”، مستدلاً بتعيين وزير أول بالنيابة “الأمر الذي يعزز هذا التوجه، فالرئيس هو صاحب القرار النهائي، والحكومة أداة لتنفيذ توجيهاته”.
ويتساءل سنيقري عمّا إذا كان تعيين سيفي غريب “مرحلة انتقالية قصيرة أم تثبيتاً لاحقاً في المنصب”، مرجحاً أن يشهد الدخول الاجتماعي “تعديلاً وزارياً واسعاً يمنح الرئيس الوقت الكافي لترتيب بيته الداخلي استعداداً للاستحقاقات المقبلة”.
ويضيف سنيقري: “البلاد مقبلة على دخول اجتماعي حذِر، والوضع الاقتصادي الهش يفرض على رأس الدولة أن يقدّم صورة أقوى، سواء عبر حكومة جديدة أكثر كفاءة أو عبر وجوه تكنوقراطية قادرة على استعادة ثقة الشارع”.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي حكيم بوغرارة، لـ”النهار”، أن تنحية العرباوي وتعيين غريب “تأتي في سياق إعطاء نفَس جديد لرئاسة الحكومة وقيادتها، في ظل الرهانات والمشاريع الكبرى المطروحة اقتصادياً وتجارياً ومالياً”.
ويشير إلى أن الوزير الأول الجديد شدّد عقب تسلّمه مهامه على أن الحكومة بصدد التحضير لملفات عديدة وفق التوجيهات الرئاسية، وهو ما يعتبره بوغرارة “دلالة على أن اختيار وزير للصناعة لقيادة الجهاز التنفيذي يحمل رسائل واضحة”.
ويقول بوغرارة: “أعتقد أن الرئيس يراهن على الجانب الاقتصادي والإسراع في إدخال مختلف المشاريع الكبرى حيّز التنفيذ، مثل منجم الحديد في غار جبيلات في تندوف، ومنجم الفوسفات في تبسة، والزنك في أميزور، مع الحفاظ على وتيرة النمو الزراعي ودعم نجاحاته”. ويضيف أن “قراءة بيانات ما بعد حادثة وادي الحراش وما عرفته الأسواق من ندرة وتذبذب حاد تكشف أن الرئيس غاضب من أداء الحكومة”، مذكّراً بتصريحاته المتكررة منذ توليه السلطة عن وجود قطاعات تسير بوتيرة سريعة وأخرى متوسطة وثالثة خيّبت الآمال، ما يجعل خطوة تغيير الأشخاص “محاولة لإعطاء روح جديدة في سياقات داخلية متسارعة وصعبة، خصوصاً مع الدخول الاجتماعي الوشيك واقتراب مناقشة قانون الموازنة العامة لسنة 2026”.
ورغم اعترافه بأن قرار التعيين جاء مفاجئاً، يشير بوغرارة إلى أن “القصور المسجل في أداء كثير من القطاعات وكثرة الشكاوى من ندرة في السوق المحلية جعلا التغيير أمراً ضرورياً”، لافتاً إلى أن البلاد عاشت مثل هذه الوضعيات قبل فترة قصيرة، وبالتالي فإن “تكرار الأخطاء يدفع الرئيس تبون إلى نوع من المحاسبة الصارمة مع إعطاء ديناميكية جديدة لسير العمل الحكومي”.