بين درجات الحرارة المرتفعة والجفاف: فترة تحديات للزراعة في لبنان… والدولة تتجاهل!

بين درجات الحرارة المرتفعة والجفاف: فترة تحديات للزراعة في لبنان… والدولة تتجاهل!

شهد لبنان في الفترة الأخيرة موجة حرّ غير مسبوقة ضربت مختلف مناطقه، متجاوزة المعدّلات المعتادة لدرجات الحرارة. هذا الارتفاع اللافت في الحرارة انعكس بشكل واضح على الحياة اليومية وعلى المزارعين، ولا سيما في المناطق الداخلية كالبقاع والشمال، التي كانت الأكثر تأثراً، إذ ألحقت موجات الحرّ أضراراً بالقطاع الزراعي الذي يشكّل ركيزة أساسية لاقتصاد تلك المناطق.

 

وتكشف هذه التطورات المناخية عن تحديات متزايدة أمام لبنان في مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي، مما يفرض الحاجة إلى خطط أكثر شمولية للتأقلم مع الظروف الطارئة، ولا سيما في القطاعات المنتجة كالمجال الزراعي الذي يتأثّر بشكل مباشر بموجات الحرّ والجفاف.

 

مزارع لبناني (مواقع).

 

“سهل البقاع هو بين الأكثر تأثراً”
في هذا السياق، يؤكد رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين في لبنان إبراهيم ترشيشي، في حديث خاص لـ”النهار”، أنّ “موجة الحر الأخيرة كانت غير طبيعية على الإطلاق، إذ أثّرت بشكل عام على جميع اللبنانيين، وبشكل خاص على المزارعين”، موضحاً بأنّ “الأضرار الناتجة عن ارتفاع الحرارة ظهرت بوضوح، وإن تفاوتت حدّتها بين منطقة وأخرى”.

 

ويشير إلى أنّ “سهل البقاع كان من بين الأكثر تضرراً، لكون الإنتاج الزراعي الأساسي متركّز فيه”، لافتاً إلى أنّ “موجة الحرّ لم تدم طويلاً، لكنها جاءت بدرجات حرارة أعلى بكثير مما سُجِّل في السنوات الماضية”.

 

وعن الأصناف الأكثر تضرراً، يوضح ترشيشي أنّ “البندورة والملفوف واللوبيا كانت الأكثر تأثراً”، مشدّداً على أنّه “لا تتوافر أرقام دقيقة للخسائر، لكن من الواضح أنّ المعايير في العمل والإنتاج قد تغيّرت”.

 

ويضيف في حديثه لـ”النهار” أنّه “لا أصناف مهدَّدة بالانقراض، إنما إنتاج بعضها يتراجع، مما يؤدّي إلى ارتفاع أسعارها، مثل اللوبيا والخسّ والقرنبيط… في هذه الفترة”.

 

إلى جانب ذلك، يشير رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين إلى أنّ “شحّ الأمطار وجفاف الينابيع والأنهار زاد من معاناة المزارعين، إذ كانت المحاصيل بحاجة إلى كميات كبيرة من الريّ في ظل هذا الطقس الحارّ، غير أنّ الجفاف حال دون ذلك”.

 

ويُتابع: “لم يكن أمام المزارع سوى المثابرة على عمله، رغم ما يتكبّده من خسائر ومعاناة”.

ويعاني القطاع الزراعي في لبنان من تراجع مستمرّ نتيجة ضعف البنى التحتية، وارتفاع كلفة الإنتاج، وتأثير الأزمات الاقتصادية والمناخية، مما يهدد استدامته ودوره في تأمين الأمن الغذائي.

 

حقل زراعي في لبنان (وكالات).

حقل زراعي في لبنان (وكالات).

 

“سنة النكبات”
في سياق حديثه، يصف ترشيشي سنة 2025 بأنّها “سنة النكبات بالنسبة إلى القطاع الزراعي في لبنان… إذ لم تحمل سوى الخسائر والمصاعب المتلاحقة؛ والمزارع، الذي لم يكد يلتقط أنفاسه بعد الحرب، وجد نفسه أمام أزمات جديدة بدأت بتراجع كميات الأمطار بشكل غير مسبوق”.

 

ويؤكد أنّ “من أبرز المشكلات التي عانى منها القطاع تتمثّل بعدم القدرة على التصدير إلا بحراً، حيث الكلفة مرتفعة جداً، فيما تستغرق الرحلة ما بين 25 و35 يوماً، وأحياناً أكثر، مما يعرّض البضائع للتلف والخسارة”.

 

ويلفت ترشيشي إلى أنّ “هذه الظروف وضعت المزارعين أمام تحديات قاسية، إذ باتوا يدفعون من رأس مالهم وعرقهم من دون أيّ مردود مجزٍ”.

 

ويتمثل دور الدولة بدعم القطاع الزراعي عبر وضع سياسات مستدامة، وتأمين الدعم المالي والتقني، وتحسين شبكات الريّ والتسويق، بما يساهم في تعزيز الإنتاجية وحماية المزارعين.

 

ما دور وزارة الزراعة؟
وعن دور وزارة الزراعة، يوضح ترشيشي في حديثه لـ”النهار” أنّها “تعاني بسبب ميزانية ضعيفة تجعلها عاجزة عن تعويض المزارعين أو دعمهم”، مشدداً على أنّ “المشكلة أوسع من الوزارة نفسها، إذ ترتبط بغياب الإرادة السياسية والموارد المالية لدى الدولة اللبنانية ككل، في وقت تنشغل فيه الحكومة بتأمين رواتب الموظفين وتوفير جزء من الكهرباء عبر شراء الفيول”.

 

ويشير إلى أنّه “بدلاً من اتخاذ قرارات إيجابية لمصلحة المزارعين، فرضت الدولة ضريبة على المازوت لمدة شهرين قبل أن تلغيها، مما جعله أغلى من البنزين، في سابقة تتعارض مع ما هو معمول به في معظم دول العالم”.

 

ويرى ترشيشي في ذلك دليلاً على سوء الإدارة وغياب السياسات الرشيدة، الأمر الذي فاقم الأعباء على المزارعين الذين يعتمدون على المازوت لتشغيل المولدات وإنجاز الريّ.

 

حقل زراعي في لبنان (وكالات).

حقل زراعي في لبنان (وكالات).

 

كيف يُمكن مساعدة القطاع؟
في سياق حديثه عن سُبل مساعدة القطاع، يؤكد ترشيشي أنّ “الحلول تكمن في إعادة تفعيل برامج الدعم الزراعي، وتأمين قروض ميسّرة، وخفض كلفة المحروقات، إضافة إلى فتح أسواق خارجية عبر المعارض الدولية وتمكين المزارعين من الاطلاع على الأصناف والتقنيات الحديثة”.

 

ويشير إلى أنّ “الأمل ما زال قائماً في أن يحمل موسم العنب والتفاح المرتقب فرصة أفضل للتصدير، بشرط أن تتوافر قنوات تسويق أكثر سهولة، وأن تتحرك الدولة لعقد تفاهمات مع شركائها التجاريين”.

 

ويُشدد ترشيشي على أنّ “حماية الإنتاج المحلي تتطلب إجراءات أكثر جدّية، تبدأ بمكافحة التهريب وتشديد الرقابة على المعابر، وصولاً إلى وقف الاستيراد العشوائي الذي يضرّ بالمزارعين اللبنانيين”.

 

في ظلّ هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى رؤية وطنية شاملة تُعيد الاعتبار إلى الزراعة كأحد أعمدة الاقتصاد.