جدل بشأن مستقبل الهيئة المصرية العامة للكتاب عقب استقالة رئيسها

عقب إعلان انتداب أستاذ الأدب الشعبي في كلية الآداب – جامعة القاهرة، الدكتور خالد أبو الليل لشغل منصب نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، قبل نحو شهرين، ثار جدل حول ما إذا كان هذا القرار يعدّ تمهيداً لإقالة أحمد بهي الدين من منصب رئيس الهيئة وإسناد مهمة إدارتها إلى أبو الليل، ومن ثم سيقع على عاتق الأخير التحضير للدورة المقبلة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي من المقرر أن تفتتح في 23 كانون الثاني (يناير) المقبل.
ازدادت وتيرة الجدل، على رغم أن قرار انتداب أبو الليل تضمَّن توجيهاً من وزير الثقافة أحمد هنو، بأن يتعاون رئيس الهيئة ونائبه “لوضع تصور شامل لفعاليات النسخة القادمة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، ووضع الترتيبات لتنظيم العديد من معارض الكتب في المحافظات، إلى جانب العمل على تطوير منافذ بيع الكتب في المحافظات، وزيادة أعدادها، وتطوير مشروع النشر في الهيئة”. ولكن بهي الدين أعلن يوم 19 آب (أغسطس) الجاري، عدم رغبته في الاستمرار بمنصب رئيس الهيئة الذي كان قد تولاه رسمياً قبل نحو ثلاث سنوات، وأنه سيعود إلى عمله الأصلي أستاذاً في كلية الآداب في جامعة حلوان. وقرر الوزير هنو تكليف أبو الليل تسيير أعمال الهيئة، ربما تمهيداً لانتدابه في المنصب رسمياً، أو اختيار شخص آخر للمهمة نفسها. وتعرَّض أبو الليل عقب انتدابه نائباً لرئيس الهيئة لحملة من صحيفة “مستقلة” تتهمه بأن له “ميولاً إخوانية”، وذلك قبل حصوله على جائزة الدولة للتفوق في 29 تموز (يوليو) الماضي، وهو الأمر الذي صرَّح الوزير هنو بأنه بمثابة رد اعتبار الى خالد أبو الليل إزاء تلك التهمة، التي تضعه على الأقل في خانة المدافعين عن أفكار جماعة “الأخوان المسلمين” الموصوفة رسمياً في مصر بأنها إرهابية.
مناخ الحرية
ورداً على سؤال “النهار” حول المتوقع وفق تلك التطورات إزاء عمل الهيئة المصرية العامة للكتاب، عموماً، والتحضير لدورة جديدة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب خصوصاً، قالت مديرة دار “العين” للنشر فاطمة البودي: “لا بد أولاً من أن نوفر لرئيس الهيئة أو القائم بعمله في الوقت الراهن مناخاً من الحرية لاتخاذ القرارات اللازمة، للنهوض بها ومضاعفة الاعتمادات المالية الكفيلة إنعاش مشروع النشر الذي تتولاه، ومن ثم الاستمرار في إتاحة ما تصدره من الكتب بأسعار مناسبة”.
مديرة دار “العين“ للنشر فاطمة البودي.
وأضافت أن على رئيس الهيئة أو القائم بعمله، الاستعانة بكوادر تنهض بالنشر، خصوصاً في مجال ترجمة روائع الأدب من مختلف اللغات، وهو الأمر الذي توقف بتجميد “سلسلة الجوائز”، بدعوى عدم توافر المال اللازم للحصول على حقوق الترجمة. ورأت أنه بالنسبة إلى معرض القاهرة للكتاب لا بد من إعادة النظر في عدد الفعاليات المصاحبة له، بما أن معظمها لا يحضره سوى موظفي الهيئة، على حد تعبيرها، كما يجب أن يكون للناشرين حق إقامة حفلات توقيع في أجنحتهم وألا يفرض عليهم استئجار أماكن لحفلات التوقيع.
وفي السياق ذاته، رأى الباحث والروائي عمار علي حسن أن المطلوب من رئيس الهيئة المقبل أن يعمل بقدر من الاستقلالية، بعيداً من معادلة الموظف المطيع، فإدارة الثقافة تختلف عن إدارة مرفق خدمي أو مؤسسة بيروقراطية. وبالنسبة إلى المعرض مطلوب من رئيس الهيئة أن ينحاز إلى مقتضيات الثقافة وليس الأمن في تحديد عناوين الندوات، واختيار أسماء الضيوف، وفي توفير قدر مناسب من الحرية.
الدكتور خالد أبو الليل.
ورأى مدير دار “روافد” إسلام عبد المعطي أنه ينبغي وضع توصيف دقيق لماهية الهيئة والدور المطلوب منها، وهل رئيس الهيئة هو رئيس لمجلس إدارة يقوم بصحبة مجلسه بوضع سياسات لتنفيذ الدور المطلوب من الهيئة، أم هو مدير تنفيذي يقوم بإدارة العمل اليومي؟ لو أجبنا عن هذه التساؤلات نستطيع أن نحدد مقومات الشخصية المناسبة لشغل الوظيفة.
وأضاف: “بالنسبة إلى المعارض، فأنا شخصياً ضد انفراد هيئة الكتاب بتنظيم المعرض وإدارته، نعم هم يبذلون جهداً كبيراً على مستوى التنظيم ويمتلكون خبرات لا تنكر، ولكن انفراد ناشر حتى لو كان ناشر وزارة الثقافة بالقرار هو أمر في غير مصلحة الناشرين”.
استعادة الدور
وأعربت مديرة دار “المرايا” للنشر دينا قابيل عن أملها في إسناد منصب رئيس هيئة الكتاب إلى “شخصية مثقفة وليس مجرد شخصية ادارية، والأهم أن تكون أفضل من سابقتها”. وأضافت إن معرض الكتاب حدث ثقافي جلل وكان لسنوات طوال رائداً قي المنطقة، ونحن اليوم في لحظة مناسبة لاستعادة هذا الدور من جديد. وقالت: “نتمنى ألا يتم استبعاد دور نشر كما حدث العام الماضي، فكل التيارات يجب أن تكون ممثلة، ومن حق القارئ والزائر الناضج أن يختار ما يحلو له. أما هيئة الكتاب بصفتها ناشراً قومياً، فننتظر منها أن تقوم بمشاريع مهمة لا يقدر عليها الناشرون الصغار وتكون علامة في المكتبة العربية”.
ورأى مدير “بيت الحكمة” للنشر أحمد السعيد في تدوينة على صفحته في فايسبوك أنه “بغض النظر عمن سيتولى مسؤولية الهيئة، فإن هناك حقيقة واحدة لا جدال فيها: معرض القاهرة الدولي للكتاب حدث ضخم بكل المقاييس. نتحدث عن 4 إلى 5 ملايين زائر في 14 يوماً فقط وهو رقم ضخم إذا قورن بأي فعالية ثقافية في المنطقة، وفي أسواق الإعلان العالمية يُعتبر كل تجمع جماهيري بهذا الحجم فرصة استثمارية ضخمة. يمكن أن نحول المعرض إلى مساحة تسويقية منظمة – بوجود باقات رعاية بلاتينية وذهبية وفضية – مع إتاحة فرص لشركات التقنية والدفع الإلكتروني وبنوك المعلومات وشركات المحتوى، وشركات الاتصالات والأجهزة الرقمية والمنصات الرقمية لعرض إعلاناتها، وهنا نحن نتحدث عن سوق يمكنها توليد ما بين 150 و200 مليون جنيه سنوياً، استناداً إلى تجارب مشابهة في المنطقة”. وتساءل: “لماذا لا نستغل هذه العوائد لخفض الرسوم على الناشرين أو لتقديم إعفاءات مشروطة، في مقابل إلزامهم التحول الرقمي في عملية البيع، وضبط الملفات الضريبية؟
أحمد بهي الدين.
وختم بالقول: “لا ينبغي أن ننسى كذلك كنز الهيئة الأكبر: فهيئة الكتاب تمتلك تراثاً هائلًا من الكتب والمجلات والأعمال الفكرية لو أجرت رقمنتها وإتاحتها إلكترونياً وصوتياً، فستتحول إلى أحد أكبر بنوك المعرفة العربية. مكتبة ضخمة مفتوحة للملايين، تسوق على كل المنصات العالمية الكبرى وللجامعات والمكتبات العامة والمتخصصة في العالم، تحقق دخلاً ثابتاً، وتضع مصر في قلب صناعة المعرفة الرقمية”.
إعادة الهيكلة
وشدَّد محرر التقرير الدوري لحال النشر على المستوى العربي الدكتور خالد عزب، على “إعادة هيكلة الهيئة المصرية العامة للكتاب، فدورها في عصرنا ليس دور الناشر، بل يجب أن تكون قاطرة لصناعة النشر في مصر، بخاصة مع تعدد انماط النشر الرقمي والصوتي بل والدمج بينهما”، على حد قوله لـ “النهار”. وأضاف أن على المقبل إلي منصب رئيس الهيئة أن يملك مشروعاً شاملاً لتحديث صناعة النشر في مصر، وإلا لن يختلف عمن كانوا قبله في المنصب نفسه. ورأى أنه حان الوقت لنقل مطابع الهيئة إلى مكان آخر، إذ أن وجودها بجوار مبنى دار الكتب والوثائق القومية، يهدد ثروات مصر من البردى الأثري والمخطوطات واللوحات الفنية بالفقدان؛ لأن المطابع تحوي مواد قابلة للاشتعال في مبنى غير مؤمن جيداً. وأضاف أن من المهم كذلك أن يكون لدى الهيئة مشروع لدعم الناشرين والارتقاء بصناعة النشر علي غرار ما تفعله دول عربية أخرى مثل السعودية والأردن والمغرب.
وزير الثقافة أحمد هنو.
وقال الشاعر والروائي السوري هوشنك أوسي: “بصرف النَّظر عن أسباب استقالة أو إقالة رئيس للهيئة المصريّة للكتاب وخلفيَّاتها، هذه الخطوة، تشي بوجود أزمة، أو أقلّه مشكلة في طريقة الإدارة وآليتها. وحسناً فعل الدكتور بهي الدين بقراره هذا، كي يفسح المجال أمام المدير الجديد لإعادة هيكلة المؤسسة، وتفادي مكامن الخلل، قبل اقتراب موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب. ومعلوم أنَّ هذه التّظاهرة الثّقافيَّة الكُبرى في العالم العربي، هي أحد أبرز وجوه مصر الحضاريّة والثقافيّة، وثاني أكبر معرض للكتب في العالم، بعد معرض فرانكفورت”. وأضاف: “برأيي، المسؤوليَّة الملقاة على عاتق المدير الجديد شديدةُ الجسامة والأهميّة والثِّقَل، ليس في موضوع إعادة الهيكلة، وبث روح المأسّسة، وتخليص الهيئة من كلّ يوحي الشلليّة والمحسوبيّة ومراكز القوى…، وحسب، بل في جعل معرض القاهرة الدولي للكتاب، يتجاوز في وزنه ودوره وأهميّته معرض فرانكفورت أيضاً”.
الكاتب والقاص المغربي أنيس الرافعي.
وقال الكاتب والقاص المغربي أنيس الرافعي لـ”النهار”: “أياً يكن الرئيس الجديد أو الذي سيتم تعيينه كي يتولى مقاليد الهيئة خلال السنوات المقبلة، عليه أن يكون مدركاً ومتشبعاً بالدور الثقافي والحضاري الحيوي والرائد لمصر في المنطقة العربية وفي العالم برمته”. وأضاف: “الأمر في تقديري الشخصي، يتخطى مسألة النشر أو تنظيم معارض، فهي إجراءات وظيفية صرفة، لأن هذه المهمة بمثابة ديبلوماسية ثقافية موازية، وظيفتها مد الجسور مع قضايا العالم الراهنة، والتواصل العابر للجغرافيات، ومد الجسور البينية مع مرجعيات أخرى قصيَّة من شأنها إغناء الثقافة العربية عموما”. واعتبر أنه كلما كان الرئيس شخصية ثقافية مرموقة ناجحة، كانت الهيئة قوية وذات ظلال وارفة على مجموع الجسم الثقافي العربي، برؤاها و مشاريعها وخططها، فمصر هي دائماً الدماء المتجددة والروح المتوثبة نحو المستقبل والحداثة والتنوير وتحطيم المستحيل.