جهود منسقة بين مصر وتركيا تجاه ليبيا… هل هي انطلاقة لعصر جديد من التعاون؟

توّج حراك مصري – تركي بدا منسقاً، خلال الآونة الأخيرة تجاه ليبيا، طي صفحة الخلافات بين البلدين حول هذا الملف وتشابكاته، وفتح الباب أمام تعاون قد يساهم في حلحلة واحدة من أعقد أزمات المنطقة.
وتدخل ليبيا مرحلة انتقالية جديدة بعد إعلان الموفدة الأممية هانا تيتيه خريطة طريق للحل السياسي مدتها القصوى 18 شهراً، يجري خلالها إقرار القوانين المنظمة للانتخابات وتشكيل حكومة موحدة تمهيداً لإجراء الاستحقاقات السياسية المؤجلة والملحة محلياً ودولياً. وقد استبق قائد “الجيش الوطني” خليفة حفتر هذه الخطوة بإجراء تغييرات في القيادة العليا للجيش، شملت ترقية نجله الأصغر صدام إلى منصب نائب القائد العام، فيما تولى نجله الآخر خالد رئاسة الأركان، في خطوة حظيت بدعم القاهرة وأنقرة.
وكان رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كالين قد زار مدينة بنغازي (شرق ليبيا) الإثنين، حيث عقد سلسلة لقاءات شملت حفتر ونجليه صدام وخالد، إضافة إلى مدير صندوق التنمية وإعادة الإعمار بلقاسم، وهو النجل الثالث لحفتر.
حفتر مصافحاً رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين.
وتشير مصادر إلى أن محادثات الزيارة تناولت ملفات أمنية وعسكرية واقتصادية، فيما اكتفى البيان الرسمي بالإشارة إلى أن الجانبين بحثا “سبل مواجهة الهجرة غير القانونية، بما يعزز الأمن والاستقرار الإقليمي”. وجاءت هذه الزيارة غداة اجتماع حفتر ونجليه مع رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، الذي ناقش “سبل التعاون بين ليبيا ومصر في المجالات الأمنية والاستخباراتية، وآليات التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يخدم الاستقرار والمصالح العليا للبلدين”، وفق بيان رسمي.
ويؤكد مصدر ليبي مطّلع، لـ”النهار”، أن تنسيقاً جرى بين القاهرة وأنقرة بشأن ليبيا، بعد تضييق هوة الخلافات بشأن عدد من الملفات. ويكشف أن وزيري الاستخبارات المصري والتركي وصلا إلى بنغازي بـ”أجندة متوافقة تشمل ملفات عدة، أبرزها ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا”، مشيراً إلى أن القاهرة لم تعد تمانع في تمرير قادة شرق ليبيا للاتفاق الموقع عام 2019 بعد إدخال تعديلات تضمن عدم هيمنة الشركات التركية على الساحل الليبي ومنح الشركات المصرية حصة. كما أشار إلى “مبادرة تركية قبلها المصريون، محورها دمج الحكومتين المتنازعتين في شرق ليبيا وغربها لتشكيل حكومة موحدة تقود المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات”، لافتاً إلى أن القاهرة اشترطت استبعاد الشخصيات المحسوبة على تيارات متطرفة. وعلى الصعيد الأمني، يكشف المصدر عن “تفاهم مصري – تركي لدعم الجيش الوطني الليبي على مستوى التدريب والتسليح، مع التزام أنقرة بالعمل على تقليم أظافر المجموعات المسلحة الخارجة عن السيطرة في غرب ليبيا”.
وتزامنت هذه الاتصالات الأمنية مع اجتماع عقد في جدة على هامش الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التركي هاكان فيدان. وأكد عبد العاطي خلال اللقاء “أهمية دعم وحدة وسلامة أراضي الدول ومؤسساتها الوطنية، والتطلع إلى تنسيق الجهود والدفع بالحلول السياسية بما يفتح المجال أمام التنمية والاستقرار”، وفق بيان الخارجية المصرية.
ويرى الخبير الليبي في العلاقات الدولية الدكتور عبد العزيز إغنية أن “الملف الليبي أحد أهم ملفات الصراع في حوض البحر المتوسط، ويحظى بأولوية قصوى لدى القاهرة وأنقرة”. ويشير، لـ”النهار”، إلى أن “ليبيا تمثل بعداً للأمن القومي المصري بحكم الحدود المشتركة، كما تشكل أمناً قومياً اقتصادياً لتركيا”.
ويعتبر إغنية أن “الديبلوماسية وتبادل اللقاءات من أفضل الوسائل لحل النزاعات، والتنسيق بين المثلث (ليبيا – مصر – تركيا) يخدم مصالح كل طرف، إذ لم يعد من مصلحة ليبيا وحفتر معاداة أنقرة، كما أن مصر لم تعد بحاجة إلى التصعيد مع تركيا”. ويضيف أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة تمر الآن بمرحلة حلحلة للخلافات، وأن مصر لم تعد تعارض انضمام تركيا إلى “نادي غاز المتوسط”. ويرى أن هذا التقارب “سيعزز الاستقرار في ليبيا، ويضيّق الخناق على المجموعات المتصارعة في الغرب”، لكنه يستبعد أن ينعكس مباشرة على حل الأزمة السياسية، معتبراً أنه “خطوة مهمة لكنها محدودة، فالأزمة الليبية مركبة وأي تسوية سياسية ستعني خسارة طرف لمصالحه”.
أما الباحث المصري في الشؤون الليبية محمد فتحي الشريف، فيشير إلى “تزامن اللقاءات مع إعلان خريطة الطريق الأممية”، معتبراً أن “التوافق المصري – التركي والحراك الاستخباراتي الأخير مهمان في هذه المرحلة الجديدة التي تحتاج إلى تنسيق وتفاهم بين الدول المتداخلة في الملف”.
ويوضح لـ”النهار” أن “الدور المصري إيجابي في ليبيا ويرتكز على دعم المؤسسات وتثبيتها بما يساهم في تعافي الدولة واستقرارها”، مذكّراً بأن القاهرة ساهمت في الانفتاح التركي على الجيش الوطني الذي يمثل ركيزة أساسية في شرق ليبيا وجنوبها.
ويختم الشريف بالقول إن التعاون المصري – التركي “سيكون عاملاً إيجابياً في حلحلة الأزمة وتثبيت التهدئة”، لكنه ينبه إلى أن “الوضع في المنطقة الغربية يحتاج إلى جهود ووقت كبيرين لتفكيك صراع الميليشيات وإعادة تنظيم المؤسسات العسكرية والأمنية هناك، وهو ما يمكن لأنقرة أن تلعب دوراً فيه”.