الشريعة تأخذ نفساً من حزب معين

الشريعة تأخذ نفساً من حزب معين

 مارك فارس

 

 

أثبتت الأشهر الماضية أنّ كل نظريات الثنائية الدولية غير قابلة للتحقق. لا روسيا ولا الصين قادرتان على تقاسم أي نفوذ مع الإدارة الأميركية. وإذا كان في الماضي قد خُيّل لنا أنّ روسيا ستحدث فرقاً في المنطقة، فإنّ الوقائع اليوم تؤكد أنّنا نعيش في العصر الأميركي.
 في هذا العصر، كما في السابق، لا تتعامل الإدارة الأميركية مع الوقائع كما هي، بل وفقاً لمشروعها الكبير. فواشنطن، التي تمتلك ملفاً كاملاً عن أحمد الشرع وتجاوزاته، تجاهلت كل التنازلات التي أبدى بشار الأسد استعداده لتقديمها في سنواته الأخيرة بحثاً عن تسوية، وفضّلت بدلاً من ذلك الاستثمار في مشروع الشرع، لأنه يخدم خطتها الأوسع المرتبطة بإيران وإسرائيل وإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط.

 

 

 

 اليوم، بعد قطع طرق الإمداد، لن يتمكن حزب الله من الصمود عسكرياً إذا فُتحت عليه أكثر من جبهة. هذا الواقع يضعه أمام معادلة صعبة: قد تصبح التسوية مع الأميركيين أهون الشرور، رغم كونه حزباً عقائدياً مستعداً لخوض حرب كربلائية. لكن، كما أنّ الإيرانيين يعتبرون الحفاظ على نظامهم أولوية قصوى مهما كان الثمن، يمكن للحزب أن يسير في النهج نفسه.
 الحزب، الذي طالما وُصف بأنّه العقبة أمام أي تسوية، لا يبدو بعيداً عن القبول بصفقة عنوانها “الاستقرار”: البحث في سلاحه مقابل ضمانات بإعادة الإعمار، الانسحاب، وضبط الجبهات جنوباً وشرقاً. والسؤال: هل ترى واشنطن في هذا المسار مصلحة لها، أم أنّ الحزب خارج حسابات مشروعها الأكبر؟
 لكن التحدي الأعمق لاستقرار المنطقة ليس الحزب وحده، بل فكر أحمد الشرع على المدى البعيد. الشرع اليوم في مرحلة الترسّخ في سوريا، وفكره قادر على التمدد نحو دول الجوار في أي لحظة. فإذا جرى تحييد حزب الله وإيران، فلن يجد هذا الفكر سوى القدس كامتداد طبيعي لعقيدته، ما قد يحوّله إلى عامل انفجار جديد يهدد أي استقرار مأمول.
 المسألة إذاً لم تعد مجرّد مفاوضات مع حزب الله أو صفقة ظرفية: هل تريد واشنطن استقراراً مرحلياً، أم تسوية شاملة تُبقي التوازنات تحت إيقاعها؟
 من هذه الزاوية، يبدو بقاء الشرع في سوريا مرحلة مؤقتة لمعالجة ملف حزب الله، بالتوازي مع تسوية بين الدولة السورية وإسرائيل التي باتت قريبة. فإذا قدّم الحزب تنازلات وتوصّل إلى اتفاق، يكون الشرع قد أتم مهمته بالكامل. عندها لن يبقى لبقائه أي قيمة استراتيجية لدى واشنطن، التي ستجعل من وحدة سوريا أولوية قصوى، خاصة أنّ شخصه غير قادر على تحقيق هذه الوحدة.
  من المفارقة أنّ حزب الله، الذي ساهمت حربه في سوريا في إبقاء الأسد في دمشق، أصبح بقاء الشرع اليوم مرهوناً مباشرة بقدرته على إنجاز التسوية.