أوكرانيا تخفف قيود التجنيد: فرصة مؤقتة للشباب أم تهديد لتوازن الحرب مع روسيا؟

في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، عدّلت الحكومة الأوكرانية قانون التجنيد الإجباري. هذا القرار يُعد تحولاً مهماً في سياسة التجنيد، ويثير تساؤلات حيال التوازن بين احتياجات الجيش وحق الشباب في التعليم والحياة خارج مناطق النزاع.
بموجب تشريع جديد يخفف من القانون الذي فُرض في الأيام الأولى للغزو الروسي لضمان توفر عدد كافٍ من الجنود في أوكرانيا، لن يُمنع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً من مغادرة البلاد.
كان الحظر على السفر خارج البلاد الذي دخل حيز التنفيذ بموجب قانون الأحكام العرفية في شباط/فبراير 2022، ينطبق على الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، بمن في ذلك أولئك الذين لم يبلغوا بعد سن التجنيد، والذي يبدأ حالياً من سن 25 عاماً. بموجب القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ يوم الخميس، سيُسمح للرجال بالسفر خارج أوكرانيا حتى يبلغوا سن 23 عاماً.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء إن التغييرات تمت “بالاتفاق مع القيادة العسكرية”. وأعلنت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو أن التغيير سيسمح للشباب بالسفر والدراسة في الخارج دون الشعور بأنهم مضطرون للمغادرة لتجنب التجنيد. وقالت: “نريد أن يحافظ الأوكرانيون على أكبر عدد ممكن من الروابط مع أوكرانيا”.
سن التجنيد يتعارض مع رغبة الغرب
خلال العامين الأولين من الحرب، لم يكن الرجال الذين تقل أعمارهم عن 27 عاماً ملزمين بالقتال. ثم في عام 2024، وتحت ضغط من الحلفاء الغربيين الذين كانوا قلقين من نقص الجنود الأوكرانيين، خفضت البلاد سن التجنيد إلى 25 عاماً.
وقال مستشار مكتب الرئيس الأوكراني سيرهي ليشينكو العام الماضي إن الحزبين الأميركيين الديموقراطي والجمهوري يضغطان على أوكرانيا لخفض سن التجنيد أكثر. وقال بعض المشرعين الأميركيين إن أوكرانيا يجب أن تخفضه إلى 18 عاماً.
لكن البلاد قاومت ذلك حتى الآن، مشيرة إلى الاتجاهات الديموغرافية الناجمة عن انخفاض معدلات المواليد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز“.
وزيلينسكي رفض هذه الدعوات مراراً وتكراراً، بحجة أن خفض سن التجنيد لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تزيد الدول الغربية زيادةً كبيرة من وتيرة تسليم أسلحتها المقبلة.
في أوكرانيا عدد قليل نسبياً من الرجال في أوائل العشرينات من العمر، لكن هناك الكثير منهم في الأربعينات.
هل سيؤثر التغيير على الجيش الأوكراني؟
من غير الواضح كيف سيؤثر التغيير على التجنيد الإجباري. لقد أرسل العديد من الآباء أبناءهم إلى الخارج قبل بلوغهم سن 18 عاماً خوفاً من أن تستمر الحرب لسنوات أو أن تخفض الحكومة سن التجنيد مرة أخرى. غالباً ما يتغيب الأولاد عن حفل تخرجهم من المدرسة الثانوية ليغادروا في الوقت المناسب.
يشير العديد من الخبراء إلى نقص القوى البشرية في الجيش الأوكراني باعتباره التحدي الأكبر الذي يواجهه البلد في الحرب ضد روسيا، التي يزيد عدد سكانها كثيراً.
لكن خبراء ومسؤولين أوكرانيين آخرين قالوا إنهم لا يعتقدون أن تغيير القانون سيؤدي إلى هجرة جماعية للشباب، ورأوا أن التغيير قد يبقي بعض الشباب في البلاد لفترة أطول كأعضاء مساهمين في المجتمع، وقد يوفر خبرات في الخارج لآخرين سيعودون يوماً ما لمساعدة أوكرانيا.
وكتب وزير الشؤون الداخلية إيهور كليمينكو على “تلغرام”: “الهدف من هذه الخطوة هو، أولاً وقبل كل شيء، توفير فرص أوسع للشباب الأوكرانيين للتعليم والتدرب والعمالة القانونية في الخارج، بحيث يمكن استخدام الخبرة التي يكتسبونها لاحقاً في تنمية أوكرانيا”.
أوكراني يحمل علم بلاده في كييف (أ ف ب)
مصدر توتر… كيف تتفاعل العائلات الأوكرانية مع هذا التغيير؟
كان حظر مغادرة الرجال مصدر توتر في أوكرانيا، حيث كانت هناك حالات متكررة لرجال حصلوا على إعفاءات للبقاء موقتاً في الخارج ورفضوا العودة، أو عائلات ظلت منفصلة لشهور أو سنوات في كل مرة، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز“.
وهذا التغيير يحظى بشعبية سياسية في أوكرانيا، خاصة بين العائلات التي لديها أبناء ذكور، فيما أصبح المسؤولون الحكوميون قلقين قلقاً متزايداً من العدد الكبير من الذكور الذين يرسلهم آباؤهم إلى الخارج في محاولة للتحايل على الحظر.
لم يتمكن الأوكرانيون الذين تم إجلاؤهم في بداية الحرب كلاجئين ولديهم أبناء بلغوا سن 18 عاماً أثناء وجودهم في الخارج من إرسالهم إلى الوطن لزيارة ما لم يكن الشباب مستعدين للبقاء الدائم في أوكرانيا.
وقال أولكسندر فيدينكو، عضو البرلمان عن حزب “خادم الشعب” الحاكم التابع لزيلينسكي، لصحيفة “فاينانشال تايمز”: “كانت دفعات المتخرّجين تتكون بالكامل تقريباً من فتيات، وكانت الجامعات تفتقر إلى المتقدمين الذكور”.
وجادل منتقدو مقترحات خفض سن التجنيد بأن الاتجاهات الديموغرافية في أوكرانيا التي شوهها انخفاض معدل المواليد في التسعينيات، لم تترك سوى مجموعة صغيرة من الشباب الذين لا ينبغي نشرهم على الخطوط الأمامية.
وقد قُتل ما بين 60,000 و100,000 جندي أوكراني منذ غزو روسيا في عام 2022، وفقاً لتقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في حزيران/يونيو. ويقدر مركز الأبحاث الذي يتخذ من واشنطن مقراً له أن العدد الإجمالي للجنود الروس الذين قُتلوا يتراوح بين 200,000 و250,000.
يثير هذا القرار جدلاً بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية. وبينما تسعى أوكرانيا لتوازن بينها، تبقى الأسئلة قائمة حول تأثير هذا التغيير على مستقبل الحرب والمجتمع.