المرأة الإماراتية: نصف الحلم الذي تحقق بالكامل

المرأة الإماراتية: نصف الحلم الذي تحقق بالكامل

يسرا عادل*

في يوم المرأة الإماراتية، لا نحتفل بصفحة عابرة من كتاب الوطن، بل نفتح مجلدًا كاملًا كتبت فيه الإماراتيات سطورًا من ضياء، وحروفًا من عزم، ليتحوّل إلى مرآة يرى فيها المجتمع نفسه، كيف نهض على جناحين: جناح الرجال، وجناح النساء، فارتفع بهما معًا في فضاء التنمية. ولأننا نحن نساء هذا الوطن ندرك أن بلوغنا هذه المكانة ما كان ليتم بهذه السرعة لولا دعم سخي ورؤية مستنيرة من أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك، التي مدت يديها إلى بنات الوطن في كل الميادين، من التعليم إلى العمل الاجتماعي، ومن الاقتصاد إلى القيادة، حتى غدت كلماتها وإرادتها نبراسًا يضيء درب كل إماراتية تطمح الى أن تكون شريكة في التنمية وصانعة للمستقبل.

وفي هذا المجلد الوطني، تتلألأ فصول خاصة عن المرأة الإماراتية في عالم السياسة؛ بحيث لم يكن حضورها مجرد مقعد شرفي أو ديكور حداثة، بل دور فاعل في صناعة القرار وتشريع القوانين وتمثيل الدولة في المحافل الدولية. من قبة البرلمان إلى منابر الأمم المتحدة، ومن وزارات الدولة إلى سفارات العالم، كتبت الإماراتيات بلغة السياسة فصلًا جديدًا من فصول المشاركة الوطنية.

من بين المحطات المضيئة، يبرز اسم أمل عبدالله القبيسي، أول رئيسة للمجلس الوطني الاتحادي، وأول سيدة خليجية وعربية تجلس على كرسي الرئاسة التشريعية. يوم دخلت القاعة لم تكن استثناءً عابرًا، بل إعلان أن الأبواب فُتحت عن إيمان بقدرة المرأة على قيادة النقاش العام ورسم التشريع. كانت القبيسي صوتًا يتردد بين جدران المجلس، لكنه في جوهره صدى لإرادة مجتمع قرر أن يكتب مع نسائه فصول الحاضر والمستقبل.

وتتألق أيضًا ريم بنت إبراهيم الهاشمي، الوزيرة التي جمعت بين الفكر التنفيذي والبصمة العالمية. قادت ملف إكسبو 2020 دبي كما يقود المايسترو أوركسترا ضخمة، فجمعت أصوات العالم في سيمفونية واحدة، وجعلت من دبي ملتقى للحضارات والأفكار. ريم لم تكن وزيرة خلف مكتب، بل بوصلة المستقبل، تترجم رؤية الإمارات عبر لغة التنمية والتعاون الإنساني، وكان حضورها الأنثوي يجمع بين صرامة المسؤولية ورهافة الرؤية.

وفي فضاء الأمم المتحدة، حملت لانا زكي نسيبة راية الإمارات سنوات طوال، فكانت ظل الدولة ولسانها في النقاشات الأممية. وقفت على المنابر كما يقف النورس على شاطئ متلاطم الأمواج، متماسكة حين يعلو ضجيج الخلاف، هادئة حين يحتاج العالم إلى كلمة عقل. عُرفت بأنها من أكثر النساء إيمانًا بدور المرأة، فأينما حلت حملت معها فريقًا نسائيًا متمكنًا نابضًا بالحيوية، لتؤكد أن القيادة الحقيقية تتسع للجميع.

أما حصة عبدالله العتيبة، فهي أشبه بالبذرة التي شقّت الصخر، إذ كانت أول سفيرة إماراتية في الخارج، خرجت لتغرس راية الوطن في عواصم العالم. لم تكن مجرد “أولى” في سجل الأسبقيات، بل رائدة مهدت الطريق لمن جئن بعدها، كأنها تقول: “الديبلوماسية ليست حكرًا على جنس، بل رسالة تؤدى بأمانة”. لقد فتحت الباب فدخلت خلفها أجيال من الديبلوماسيات اللواتي رسمن خرائط جديدة للسياسة الخارجية.

هذه الأسماء، بما تمثل من تنوع بين البرلمان والديبلوماسية والتنفيذ، ليست إلا وجوهًا لمشروع أكبر: مشروع تمكين المرأة الإماراتية، الذي لم يولد من ضغط خارجي ولا من تقليد مستورد، بل من إيمان داخلي بأن نهضة الوطن لا تقوم بنصف طاقة، وأن المجتمع الذي يضع المرأة في المقاعد الخلفية إنما يحكم على نفسه بالعجز.

إن حضور المرأة الإماراتية في الميادين السياسية والديبلوماسية ليس تفصيلًا يزين الصورة، بل خيط نوريّ في نسيجها، ورحلة وعيٍ لمجتمعٍ أدرك أن الكيان الإنساني لا ينهض بنصفه معطّلًا. وكما أن الفسيفساء لا تستمد جمالها من حجر واحد مهما كان بديعًا، بل من تناغم جميع أجزائها، فإن الوطن لا يبلغ اكتماله إلا بتضافر أصوات رجاله ونسائه معًا.

فالمرأة الإماراتية، وهي تجلس على مقعد القرار أو تمثل الدولة في محفل أممي، تؤكد أن العدالة ليست شعارات، بل ممارسة يومية تؤمن بأن الدور الإنساني لا يُقاس بجنس، وإنما بقدرة الروح على العطاء. وهكذا، يصبح تمكينها في السياسة استمرارًا لحكمة تأسيسية ترى في الإنسان ــ رجلًا كان أو امرأة ــ جناحًا لمعنى الوطن حين يحلّق فوق حدود الممكن نحو فضاءات أرحب.

 

* محللة سياسية اماراتية