من نيويورك ولندن إلى دبي: كيف تحولت الإمارات إلى وجهة السكن الفاخر؟

أنا ماريا الشدياق
في مشهد عقاري عالمي تتسارع فيه الابتكارات وتتزايد فيه تطلعات المشترين نحو أنماط معيشة عصرية وراقية، نجحت دبي في ترسيخ مكانتها كوجهة أولى عالمياً للمساكن الفاخرة المرتبطة بعلامات تجارية. فقد أظهرت أحدث البيانات أن الإمارة تحتضن اليوم أكثر من 48,474 وحدة سكنية تحمل أسماء علامات تجارية عالمية، موزعة على 144 مشروعاً، منها 5,510 وحدة جديدة أضيفت خلال النصف الأول من عام 2025. بهذا الإنجاز، تتفوق دبي على أسواق تاريخية عريقة مثل ميامي، نيويورك ولندن، لتقدّم تعريفاً جديداً للعقارات الفاخرة، قائماً على الدمج بين الرفاهية والتعبير عن الهوية الشخصية.
هذا النمو المتسارع يعكس تحولاً جوهرياً في مفهوم السكن، إذ لم يعد المنزل مجرد أصل مادي، بل أصبح امتداداً للقيم والطموحات الفردية. ويؤكد خبراء السوق أن هذه العقارات عادة ما تسجل ارتفاعاً في أسعارها يتراوح بين 40% و60% مقارنة بالمساكن الفاخرة التقليدية، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين بالعلامة التجارية التي تمنح العقار بعداً إضافياً من المصداقية والتميز. ويبرز مشروع “هادلي هايتس 2” كأحد النماذج اللافتة لهذا التحول، حيث يمزج بين التصميم الجريء المستوحى من الديناميكية الهوائية وأحدث مفاهيم الأداء والرفاهية الرقمية.
المشروع الذي أطلقته شركة “ليوس” للتطوير العقاري بالتعاون مع البطل الأولمبي توم دين يُصنّف كأول مشروع سكني في العالم يحمل علامة أولمبية، جامعاً بين المعايير الرياضية والابتكار المعماري والرقمي، ومقدّماً مرافق متكاملة مثل الصالات الرياضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي ومسارات الجري على الأسطح وحدائق الرفاهية، ما يجعله نموذجاً لحياة متكاملة تجمع بين العمل والصحة والرفاهية.
وفي قراءة أعمق لهذه الظاهرة، يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع، في حديثه لـ”النهار”، أن “تفوّق دبي على مدن راسخة لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تلاقي عناصر عدة في مقدمتها البيئة الاستثمارية المرنة والبنية التحتية المتطورة والتشريعات الجاذبة لرؤوس الأموال، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي وصورتها كمدينة آمنة ومستقرة توفر قيمة عقارية طويلة الأجل. ويضيف أن مدناً مثل نيويورك ولندن وميامي تواجه تحديات ضريبية وتنظيمية تحدّ من تنافسيتها، ما منح دبي مساحة للتقدم”.
يشير نافع أيضاً إلى أن “ربط الفخامة بالاستدامة يظل تحدياً محورياً، إذ إن مظاهر الرفاهية التقليدية ترتبط غالباً بزيادة استهلاك الطاقة والموارد، غير أن دبي تحاول إعادة تعريف الفخامة عبر دمج معايير الاستدامة مثل الاعتماد على الطاقة المتجددة والتصميم الذكي وتوظيف التكنولوجيا لرفع الكفاءة، وهو ما قد يحوّل الفخامة من عبء بيئي إلى محرك للاستدامة”.
أما عن المستقبل، فيتوقع نافع أن “يتوسع المفهوم ليشمل مساكن تحمل علامات مرتبطة بقطاعات أخرى مثل التكنولوجيا أو الصحة أو التعليم، بما يتجاوز مجرد القدرة المالية ليعكس أنماط حياة متخصصة وهوية فردية متفردة. وقد نشهد مساكن بعلامات تكنولوجية تقدم حياة ذكية ومتصلة بالكامل، أو أخرى صحية تعزز العافية وجودة الحياة، وربما تعليمية مرتبطة بمراكز بحث ومعرفة”.
دبي (وكالات)
هكذا، يتضح أن نجاح دبي في تصدّر قائمة المساكن الفاخرة ذات العلامات التجارية لم يكن نتيجة طفرة عابرة، بل هو ثمرة مزيج من الابتكار والاستثمار الاستراتيجي والانفتاح العالمي. ومع مشاريع مثل “هادلي هايتس 2″، ترسّخ الإمارة موقعها الريادي في سوق عالمي شديد التنافسية، وتطرح نموذجاً جديداً يعيد تعريف المعيشة الفاخرة بوصفها أسلوب حياة متكامل يجمع بين الرفاهية والهوية والابتكار.