قوات الجيش العراقي وتحديات الحشد الشعبي

مهنّد العزاوي *
تُعَدّ القوات المسلحة العراقية التشكيل النظامي الرسمي للدولة، وتتألف من خمسة أفرع رئيسية: القوة البرية، القوة الجوية، القوة البحرية، طيران الجيش، والدفاع الجوي، إضافة إلى تشكيلات أخرى مساندة. وتخضع جميع هذه القوات لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء العراقي حيث يشغل المنصب حالياً محمد شياع السوداني.
وإلى جانب الجيش، تعمل قوى أخرى مثل جهاز مكافحة الإرهاب، الشرطة الاتحادية، وهيئة الحشد الشعبي. إلا أن المشهد السياسي والأمني في العراق قد شهد تحوّلاً بارزاً بعد انتخابات 2021، حيث تمكّن الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة عقب انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأمر الذي عزز نفوذ الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلته. هذه الفصائل لم تكتفِ بالحضور العسكري، بل امتلكت أدوات سياسية واقتصادية وديبلوماسية، فضلاً عن قدرات تسليحية استراتيجية وانتشار ميداني واسع في محافظات الشمال والجنوب والوسط، ما فجّر سؤالاً محورياً: هل تكون الكلمة العليا للسلاح أم للدولة؟
نشأة الحشد الشعبي وتحولاته
ظهر الحشد الشعبي عام 2014 كقوة تعبئة استثنائية بعد فتوى “الجهاد الكفائي” لمواجهة تنظيم “داعش”. ومع مرور الوقت، لم يعد مجرد قوة طوارئ، بل تحول إلى مؤسسة عسكرية–سياسية متشابكة، تضم فصائل عقائدية وأخرى موالية لإيران. كما تطور إلى كيان يمتلك معاهد عسكرية، ومؤسسات اقتصادية وإعلامية، الأمر الذي جعله لاعباً أساسياً في المعادلة العراقية.
جوهر الإشكالية
1. الجيش العراقي هو القوة الرسمية المناط بها حماية الدولة، بينما الحشد يتمتع بشرعية قانونية (قانون 2016) لكنه يحمل ولاءات متعددة، بعضها يتجاوز إطار الدولة.
2. الفصائل المسلحة داخل الحشد تملك قدرات بشرية وتسليحية وإعلامية واقتصادية تجعلها قوة موازية للجيش وليست تابعة له.
3. التداخل بين النفوذ السياسي (الإطار التنسيقي) والفصائل المسلحة ضاعف من قوة الحشد على حساب المؤسسة العسكرية.
4. النفوذ الإيراني الرافض لحل الحشد أو إضعافه يقابله قلق أميركي متزايد من ترسيخ الميليشيات في بنية الدولة العراقية.
مشروع القانون الجديد
في 23 آذار/مارس 2025 قُرئت القراءة الأولى لمشروع قانون جديد تحت اسم “قانون هيئة الحشد الشعبي”. ويهدف هذا المشروع إلى منح الحشد سلطات واسعة تجعله نظيراً وربما متفوقاً على القوات المسلحة النظامية، ولم يتم تشريع القرار نظراً لاختلاف الكتل السياسية تحت قبة البرلمان.
الولايات المتحدة أعربت عن رفضها الشديد للمشروع، محذّرة من أنه سيُرسّخ نفوذ الميليشيات ويقوي الحضور الإيراني، بما قد يؤدي إلى توترات في العلاقات الثنائية أو حتى فرض عقوبات اقتصادية على العراق.
أبرز التحديات الميدانية
1. ازدواجية القوة: سلاح الجيش تحت إمرة الدولة، بينما سلاح الحشد يتوزع بين الرسمي والولائي.
2. التأثير السياسي: للفصائل حضور مباشر داخل البرلمان والحكومة، ما يصعّب قرارات حصر السلاح بيد الدولة.
3. الارتباط الخارجي: بعض الفصائل تنتهج سياسياً وعسكرياً نهج إيران، ما يضعف استقلالية القرار الوطني.
4. التمويل والموارد: للحشد مصادر تمويل مزدوجة (حكومي + تجاري)، تمنحه مرونة مالية تتجاوز المؤسسة العسكرية.
5. الانتشار الجغرافي: للفصائل وجود ميداني واسع، ما يمنحها سلطة تتجاوز أحياناً سلطة الدولة.
6. الجيش العراقي يخضع للسلطة السياسية وليس في الأفق السياسي العراقي مشروع لنزع السلاح أو حل الحشد الشعبي رغم المطالب الأميركية.
7. انسحاب القوات الأميركية من القواعد العسكرية في العراق (الأنبار عين الأسد – قاعدة الحرية بغداد – قاعدة بلد صلاح الدين).
8. الرفض الأميركي للفصائل المسلحة مبني على قاعدة الاحتواء والتعامل بمرونة.
9. الجيش العراقي ينظر إلى الحشد مؤسسة رسمية ولا خطط عملياتية تخالف ذلك.
الخلاصة
رغم الجهود الديبلوماسية الأميركية الداعمة لمساعي الحكومة العراقية في حصر السلاح بيد الدولة أو إعادة تنظيم الحشد الشعبي أو حله أو دمجه، إلا أن التوجهات السياسية والأمنية الراهنة تجعل هذه المهمة بالغة التعقيد. فالتشابك بين الولاء العقائدي لإيران، والنفوذ السياسي الداخلي، والقدرات الاقتصادية والعسكرية للفصائل، والمناصب الحكومية والسياسية التي تشغلها، كلها عوامل تجعل الحشد الشعبي اليوم ليس مجرد جزء من القوات المسلحة، بل قوة موازية وربما منافسة لها. وبذلك تبقى الإشكالية الأساسية في العراق قائمة: هل تستطيع الدولة أن تستعيد احتكارها الشرعي للقوة، في ظل وجود قوة نظامية كالجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية؟ أعتقد أن الأمر صعب للغاية.
ليس في العراق إرادة سياسية فاعلة تسعى لاحتكار القوة وحصر السلاح بيد الدولة نظراً إلى ما ذُكر أعلاه، وهذا يترتب عليه ردود أفعال سياسية من الولايات المتحدة كالعقوبات الاقتصادية والتشديد المالي والمتابعة الأمنية، وربما يتطور الأمر إلى عمليات عسكرية في حال بقاء حالة الغموض السياسي بشأن حل الحشد الشعبي العراقي والطريقة المناسبة لذلك.
*رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية