آفاق مساعي الولايات المتحدة لمواجهة ‘حزب الله’

آفاق مساعي الولايات المتحدة لمواجهة ‘حزب الله’

الياس ب. باسيل
دكتوراه في القانون

تشير تصرفات الولايات المتحدة، على عكس التصريحات العلنية لمسؤوليها، إلى أن تفكيك “حزب الله” بالكامل هو استحالة عملية، نظراً إلى دعمه الساحق من الشيعة اللبنانيين، الذين يشكلون نحو ثلث اللبنانيين. كذلك تشير تصرفات الولايات المتحدة ضمناً إلى أنه يستحيل تجريد “حزب الله” من جهازه العسكري والاستخباري والمالي لأسباب رئيسية متعلقة بذاك الدعم الشعبي الشيعي وأسباب أخرى ذات صلة.
إذا، الهدف الحقيقي للولايات المتحدة ليس تفكيك “حزب الله” بالكامل، بل بالأحرى حرمانه قوته الإستراتيجية للحدّ من إضرارِه بالمصالح الأميركية في شكل كبير. تحقيق هذا الهدف لا يتطلب بالضرورة أن تفرض الولايات المتحدة أن يرخي “حزب الله” قبضته السياسية على السياسة اللبنانية، على الرغم من أن بعضاً من تراخي تلك القبضة قد يحصل عرَضاً.

لتحقيق الهدف المحدود هذا، تُركز الولايات المتحدة على الدور الإستراتيجي لـ”حزب الله”، أي الدور العسكري، لكونه ركيزة لمحور إيران العابر للحدود، لا على المماحكات السياسية اللبنانية. للمفارقة، يُشدد الممثلون الأميركيون من كل المستويات في اتّصالاتهم وتصريحاتهم على هيمنة “حزب الله” على السياسة اللبنانية بهدف تعزيز المعارضة المحلية لكل من “حزب الله” وإيران، ولا يُركزون كثيراً على ذلك الهدف المضمَر والمحدود.

فعلياً، ما زالت الولايات المتحدة منذ ظهور “حزب الله” عام 1982 تُركز على استهداف شبكاته العسكرية والاستخباراتية والمالية، أي المكونات التي تهدد المصالح الأميركية استراتيجيّا، مع إعطاء تأثير “حزب الله” السياسي المتزايد في لبنان ما يكفي من اهتمام لخدمة الهدف المذكور أعلاه، وليس أكثر.

 

 

بري مع الوفد الأميركي (نبيل إسماعيل)

 

اليوم، تواصل الولايات المتحدة السعي إلى تحقيق الهدف نفسه المتمثل في الحدِّ من التهديد المحتمل لـ”حزب الله” لمصالحها الإستراتيجية على حساب آمال اللبنانيين الذين يعارضون طموحات “حزب الله” السياسية المحلية.

وفقاً لتقارير إعلامية موثوق بها، أبلغ توماس ج. براك جونيور، مبعوث ترامب الرئاسي، في جلساته الخاصة مع المسؤولين اللبنانيين الثلاثة الكبار بذلك الهدف المحدود للولايات المتحدة، وإن بطرق مختلفة.

مثلاً، نشر بعض الإعلام اللبناني بالتفاصيل أنّ براك، خلال زيارته لبنان أواخر تموز 2025، أبلغَ رئيس البرلمان نبيه بري – الذي يتفاوض عادة مع الأميركيين باسم “حزب الله” – أن الولايات المتحدة ستكون راضية إذا تخلى “حزب الله” عن أسلحته الإستراتيجية فقط، مثل الصواريخ البعيدة المدى والطائرات من دون طيار، مع الحفاظ على بقية أجهزته العسكرية والاستخبارية والمالية سليمة، ولكن مع تخفيف إظهار ذلك.

الأرجح أن ما نُقل عن قول براك لبرّي دقيق. فيكون براك بذلك قد قبل ضمناً باستمرار نفوذ “حزب الله” السياسي في لبنان، إن لم يكن هيمنته السياسية، مقابل ضمان سلامة الأصول العسكرية والديبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، كما الأصول الخاصة بإسرائيل وحلفاء أميركيين آخرين في المنطقة، مثل قبرص والقواعد البريطانية “ذات السيادة” في الأخيرة. أمّا “حزب الله” فقد رفض عرض براك رفضاً قاطعاً وعلنياً، مدعوماً من إيران.

سياقاً، تُشير تصريحات الأغلبية من الطبقة السياسية اللبنانية إلى أن الأرجح أنّ الحكومة ستستمر في الامتناع عن إصدار أوامر للجيش وغيره من قوات الأمن بنزع سلاح “حزب الله” بالقوة. لن تفعل الحكومة ذلك، وفقاً للرؤية الغالبة لدى الطبقة السياسية بحسب وسائل الإعلام، خوفاً من العصيان شبه المؤكد للجيش وقوات الأمن إذا صدرت إليهم مثل هذه الأوامر، وترجيحها انهيار تلك القوى كما حدث عامي 1976 و1984 عندما ورّطتها الحكومات آنذاك في صراعات داخلية قائمة على الانقسامات الطائفية.

تجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن الشيعة اللبنانيين يؤيدون “حزب الله” بأغلبية ساحقة، حيث بلغت نسبة التأييد 96٪ وفقاً لاستطلاعٍ حديث. وتُقدّر نسبة مشاركة الشيعة في الجيش وقوات الأمن بنحو 27.5٪، وهي نسبة مرتفعة.

بناءً على ذلك، من الأرجح أن يفشل براك في تجريد “حزب الله” من أسلحته الإستراتيجية. لكن الولايات المتحدة قد تستطيع أن تحقق هدفاً تكتيكياً بالسيطرة على البرلمان اللبناني المُقبل من خلال قوى سياسية معادية لـ”حزب الله”، كالآتي:

ستُرافق على الأرجح الحملة الجارية لنزع سلاح “حزب الله”، التي تقتصر على الجهود الإعلامية والديبلوماسية من الولايات المتحدة، تصعيداً للضربات الجوية والبحرية والمدفعية الإسرائيلية على أهداف لـ”حزب الله”. سيؤدي ذلك على الأرجح، بقسمَيه، أي القسم الذي تُنفذه الولايات المتحدة بنفسها والثاني الذي تقوم بهِ إسرائيل، إلى تنشيط الجمهور غير الشيعي المعارض لـ”حزب الله”، علماً أنّهُ يضمّ أغلبية اللبنانيين. نتيجةً لذلك، من المُرجح أن يتغير التصويت العام كثيراً ضد “حزب الله” وحلفائه في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في أيار/مايو 2026.

فضلاً عن ذلك، وفي شكل مُحدد أكثر، قد يخسر “حزب الله” حليفه الأقوى، أي رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي ما زال يؤدي دور الدرع السياسية لـ”حزب الله” داخل الحكم اللبناني منذ عام 1990، أي سيتعرّض مركز بري رئيسا للبرلمان للتهديد في انتخابات 2026 المقبلة، لأن تحول قسم من التصويت بسبب حملة الولايات المتحدة المستمرة، سيجعل من غير المحتمل أن يُحافظ ما يسمّى “الثنائي الشيعي” – المكوّن من التحالف بين “حزب الله” وحزب بري السياسي، حركة “أمل” – والذي يسيطر حالياً على جميع المقاعد الشيعية السبعة والعشرين في البرلمان، على هذه الهيمنة الكاملة على المقاعد الشيعية كلّها.

يكفي في هذا الصدد، أن تكسب الفصائل المعارضة لـ”حزب الله” وحركة “أمل” مقعداً برلمانياً شيعياً واحداً فقط لكي تتمكن الأغلبية البرلمانية التي سيتحكمون فيها بعد ذلك من تعيين ذلك العضو الشيعي المنتخب حديثاً رئيساً، ما سيحرم “حزب الله” الحماية الحكومية التي قدّمها لهُ برّي لعقود.

في اختصار، لا تهدف الولايات المتحدة، من خلال حملتها المستمرة ضد “حزب الله” في لبنان، إلى خدمة الطموحات السياسية للبنانيين الذين يعارضونه، وإن كانوا الأغلبية. الهدف الحقيقي للولايات المتحدة هو الحدّ من القوة الإستراتيجية لـ”حزب الله”، التي تهدد المصالح الأميركية. رغم ذلك، سيكون تفكيك جهاز “حزب الله” المتعدد الأوجه والمتجذر غير قابل للتحقيق على الأرجح في ظل الظروف الحالية، على الرغم من كثافة الجهود غير العسكرية الأميركية والضربات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة. لذلك، ستحاول الولايات المتحدة تحقيق هدف محدود هو إزالة الدرع السياسية لـ”حزب الله” داخل الحكومة اللبنانية، أي رئيس البرلمان الحالي نبيه برّي.