كيف يؤثر تراجع قيمة الدولار على دول الخليج؟

الانخفاض المستمر في قيمة الدولار سيواصل على الأرجح حتى نهاية عام 2025 على الأقل، وتراجعه قد يكون نعمة ونقمة في الوقت نفسه بالنسبة لدول الخليج.
فبعد أن شهد الدولار ارتفاعًا قبيل حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولايته الثانية في كانون الثاني/ يناير، سرعان ما هبط بفعل سياساته التجارية المتقلبة والقتالية.
ويتداول الدولار حاليًا عند 1.17 دولار لليورو، وهو أدنى مستوى في أربع سنوات، لترتفع خسائره منذ بداية العام إلى 11%. وفي الفترة نفسها تراجع الدولار بنسبة 7% أمام الجنيه الإسترليني و6% أمام الين الياباني.
ويقول شهاب جالينوس، رئيس أبحاث استراتيجيات العملات لمجموعة العشر في بنك “يو بي إس” الاستثماري في نيويورك: “ما زال هناك مجال لمزيد من الصعود لليورو”.
ويتوقع “يو بي إس” أن ينخفض الدولار إلى 1.20 دولار لليورو بحلول نهاية أيلول/سبتمبر، وإلى 1.23 دولار بحلول نهاية كانون الأول/ديسمبر. ويعود هذا التوقع جزئيًا إلى تزايد الثقة بأن الاحتياطي الفدرالي الأميركي سيخفض أسعار الفائدة في اجتماعه بشهر أيلول/سبتمبر.
وعادةً ما يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى إضعاف العملة. وباستثناء الكويت، التي يرتبط دينارها بسلة من العملات الرئيسية، تضطر اقتصادات الخليج إلى محاكاة أسعار الفائدة الأميركية بسبب ربط عملاتها بالدولار.
ويضيف جالينوس: “إذا جاءت بيانات الوظائف الأميركية ضعيفة في الأشهر المقبلة، فقد نشهد خفضًا إضافيًا للفائدة، ما سيضعف الدولار أكثر”.
انخفاض الدولار له إيجابيات وسلبيات على الخليج. فعلى سبيل المثال، جعل هبوط العملة الأميركية العقارات في دبي أقل تكلفة للمشترين من منطقة اليورو واقتصادات أخرى غير مرتبطة بالدولار، وفقًا لما يقوله سايمون كيتشن، الشريك في شركة “إيمرجينغ آند فرونتير كابيتال” في لندن.
لكن كيتشن يضيف: “هل ترغب حكومة دبي في خفض أسعار الفائدة بشكل كبير في وقت يشهد فيه القطاع العقاري طفرة قوية ونموًا مرتفعًا في القروض؟”.
صورة تعبيرية (وكالات)
أما بالنسبة للسعودية، التي تحتاج إلى مزيد من الاقتراض، فإن انخفاض الفائدة سيكون مفيدًا لها.
ومن جانب آخر، فإن ضعف الدولار يرفع تكلفة واردات الخليج من الدول غير المرتبطة بالدولار. فعلى سبيل المثال، تزوّد آسيا الإمارات بـ 55% من وارداتها، تليها أوروبا (20%) وإفريقيا (14%)، وفقًا لبيانات “تريدنغ إيكونوميكس”.
ويقول كيتشن: “إذا بدأ التضخم يصبح مشكلة كبرى، فسيتزايد النقاش حول ما إذا كان على دول الخليج أن تفعل شيئًا بشأن ربط عملاتها بالدولار”.
ويتابع: “إذا واصل الدولار الهبوط وارتفع التضخم، فسوف يزداد الجدل حول ما إذا كان من المناسب للخليج أن يظل مرتبطًا بعملة متراجعة، وما إذا كان الدولار في طريقه إلى الانحسار، وهل نريد كدول مجلس التعاون أن نربط مستقبلنا به؟”.
إيجابيًا، يرى كيتشن أن ضعف الدولار قد يفيد قطاع السياحة في الخليج.
بالنسبة للمستثمرين الأجانب، كانت الأسهم الخليجية جذابة بسبب ربط العملات بالدولار.
ويقول كيتشن: “الخليج كان يوفر وسيلة تحوط ضد ضعف عملات الأسواق الناشئة، لكن هذا لم يعد مفيدًا حين تصبح عملات الأسواق الناشئة أقوى”.
ويرى أن ضعف الدولار من غير المرجح أن يؤثر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الخليج.
ويضيف: “إذا كنت تفكر بالاستثمار في التصنيع بالسعودية أو الإمارات مثلاً، فهناك عوامل أخرى أكثر أهمية من تقلبات الدولار، مثل تكاليف العمالة، والأنظمة، وتوفر الطاقة والموارد”.
من جهة أخرى، كان من المتوقع أن تؤدي رسوم ترامب الجمركية إلى تقوية الدولار، لكن طبيعة تنفيذها وما خلقته من حالة عدم يقين دفع بعض المستثمرين الأجانب في الأصول الأميركية إلى بيع جزء من حيازاتهم وإعادة الأموال إلى بلدانهم، وفقًا لجالينوس من “يو بي إس”.
ويضيف: “كما أن هناك الآن مزيدًا من التحوط على الأصول الأميركية. فحتى لو لم يبع المستثمرون الأصول نفسها، فإنهم يحمون أنفسهم من تراجع الدولار بالتحوط، وهو ما يؤدي إلى ضعف العملة عبر الحساب الرأسمالي”.
ومن 2020 إلى 2025 شهدت الولايات المتحدة “أداءً قويًا للأصول” جذب تدفقات رأسمالية ضخمة من العالم الخارجي.
ويقول جالينوس: “الكثير من هذه الاستثمارات كان دون تحوط، إذ كانت نسب التحوط التي يستخدمها الأجانب أقل بكثير من المعتاد، ما جعلهم عرضة أكثر لتقلبات الدولار. وعندما تغيرت الحقائق، شعر المستثمرون الأجانب بأن عليهم إدارة المخاطر بشكل أكبر”.
وبحسب حسابات “يو بي إس”، فإن أكثر من تريليون دولار من الأصول الأميركية المملوكة للأجانب قد تخضع للتحوط.
ويختم جالينوس بالقول: “لا نعتقد أن هذه العملية انتهت بعد، وبالتالي فإن التدفقات يمكن أن تستمر طوال هذا العام، لتشكّل عامل ضغط إضافي على الدولار وداعمًا لليورو”.