النفوذ الإيراني ودور حزب الله في لبنان

النفوذ الإيراني ودور حزب الله في لبنان

فرانسيسكا موسى

 

 

في لبنان المنهك، لم يعد سلاح حزب الله رمزًا للحماية أو المقاومة كما كان يروَّج له، بل أصبح عبئًا خانقًا يجر البلاد نحو الهاوية. ما كان يُسوَّق على أنه “درع الطائفة الشيعية” تحوّل إلى سلسلة من الأثقال التي تكبّل أبناء هذه الطائفة قبل غيرهم، وتضعهم في مواجهة دائمة مع الداخل والخارج، بينما يدفعون الثمن الأكبر من دمهم واقتصادهم وحاضرهم ومستقبلهم.

 

 

 

بدعم مباشر من إيران، تمكّن الحزب من بسط نفوذه على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، حتى بات يملك الكلمة الفصل في الأمن والسياسة والاقتصاد. لكن هذا النفوذ لم يجلب للبنان سوى مزيد من العزلة الدولية والعقوبات، وتدهور العلاقات مع دول عربية وغربية، وفتح أبواب الحروب والأزمات المتلاحقة. كل ذلك جعل الجنوب والبقاع والضاحية، أي البيئة الحاضنة للحزب، مناطق منكوبة اقتصاديًا، محرومة من البنى التحتية الأساسية، ومعزولة عن فرص الاستثمار والنهوض. الخطاب الذي يبرر بقاء السلاح بحجة حماية الطائفة صار اليوم حجة واهية أمام حجم الخراب الذي أصاب لبنان. هذا السلاح لم يمنع الانهيار المالي، ولم يوقف الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ولم يحمِ اللبنانيين من الفقر والجوع، بل زادهم فقرًا، وأدخلهم في صراع دائم لا يملكون قراره. حتى داخل الطائفة الشيعية، بدأ يتنامى شعور مرير بأن الحزب يحتكر القرار، ويفرض أجندة إيرانية لا تخدم أبناء الجنوب بقدر ما تخدم مشروعًا إقليميًا أوسع، يضع مصلحة لبنان في المرتبة الأخيرة. هذا النفوذ المسلح خارج إطار الدولة لا يقتصر أثره على الجانب الأمني، بل يمتد إلى تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية. في كل استحقاق وطني كبير، من انتخاب رئيس الجمهورية إلى تشكيل الحكومات، يتحكم الحزب بالمعادلات، ويفرض شروطه، ما يعرقل التوافق الوطني ويطيل أمد الأزمات. ومع كل توتر إقليمي، يجد لبنان نفسه على خط المواجهة، دون أن يكون له القرار في الدخول أو الخروج من هذه المعارك، لأن البوصلة تحددها مصالح إيرانية لا وطنية. التداعيات الاقتصادية لهذه المعادلة كارثية. العقوبات الدولية التي طالت الحزب أثرت على النظام المالي اللبناني، وأدت إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية، وتراجع السياحة، وإضعاف الثقة في النظام المصرفي. وفي مناطق نفوذ الحزب، يعيش المواطنون تحت وطأة بنية تحتية متهالكة، وخدمات عامة شبه معدومة، مع غياب فرص العمل، ما يدفع الشباب إلى الهجرة أو الالتحاق بالصراعات المسلحة بحثًا عن مصدر دخل. الجانب الاجتماعي لا يقل خطورة. الخطاب التعبوي الذي يربط مصير الطائفة الشيعية بسلاح الحزب خلق حالة من العزلة الذهنية عن باقي مكونات المجتمع اللبناني. هذه العزلة عززت الانقسام الطائفي، وأضعفت فكرة الانتماء الوطني، وجعلت أي حوار وطني حول السلاح والسيادة أمرًا شبه مستحيل. النتيجة أن لبنان يعيش في دائرة مغلقة من الأزمات، حيث يبرر السلاح نفسه بذريعة التهديدات، فيما تزداد هذه التهديدات بفعل وجود السلاح نفسه. الحقيقة المؤلمة أن حزب الله لم يعد مشكلة سيادة فقط، بل مشكلة حياة يومية تمس كل لبناني. وجوده المسلح خارج إطار الدولة يقوّض الجيش، يعطّل المؤسسات، ويمنع أي إصلاح سياسي أو اقتصادي حقيقي. والأسوأ أنه يضع لبنان كله في مواجهة مفتوحة مع قوى دولية وإقليمية، ما يعني أن الأزمات ستتكرر، وأن الكلفة سيدفعها الفقراء قبل غيرهم، خاصة من أبناء الجنوب والبقاع والضاحية.
اليوم، صار من الواضح أن التخلص من هذا العبء هو شرط أساسي لإنقاذ لبنان، وحماية الطائفة الشيعية من المزيد من الاستنزاف، وكسر الحلقة المفرغة التي تُبقي البلاد رهينة مشاريع خارجية وصراعات لا تنتهي. فالحماية الحقيقية لا تأتي من فوهة بندقية، بل من دولة قوية، واقتصاد مزدهر، ومؤسسات قادرة على حماية جميع مواطنيها بلا استثناء. السلاح الذي يزعم حماية الشيعة، يدفنهم كل يوم أعمق في قبور الفقر والعزلة، ويحوّل لبنان بأسره إلى رهينة في يد مشروع خارجي لا يرى في شعبه سوى وقود لحروبه.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الاعلامية