أهمية اعتراف الغرب بـ “الدولة الفلسطينية”

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
شهدنا خلال الأيام الماضية اتجاه عديد من الدول الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتي بلغ عددها حتى كتابة هذا المقال 147 دولة من إجمالي 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، مع إعلان كلٍّ من فرنسا وبريطانيا وكندا عن عزمهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر 2025. وتعلّق بريطانيا اعترافها هذا على عدم دخول إسرائيل في هدنة لوقف إطلاق النار في غزة بحلول سبتمبر، بينما ربطت كندا اعترافها بحدوث تغييرات سياسية في السلطة الفلسطينية تسمح بعقد انتخابات جديدة في 2026 يتم فيها استبعاد حركة حماس.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يدور حول ما إذا كان هذا التطور يخدم “مسار الدولتين” الذي يقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وفق ما أُقر في مفاوضات أوسلو خلال تسعينيات القرن الماضي.
بدايةً، هناك عوامل داخلية دفعت كلاً من بريطانيا وفرنسا وكندا للإعلان عن هذه التصريحات، ففي نهاية المطاف تأتي هذه التصريحات استجابة لضغوط قوى سياسية داخلية متعاطفة مع حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وأخذت تمارس ضغوطاً عدة على التيارات الحاكمة في تلك الدول حتى تتخذ مواقف ضد سياسات إسرائيل في غزة، وبالتالي جاءت تلك التصريحات رغبةً من التيارات الحاكمة في تلك الدول في تعزيز شرعيتها الداخلية.
ومن ناحية أخرى، وربما هذا هو الأكثر أهمية، تعكس هذه التصريحات تأييد هذه الدول من الناحية السياسية لمسار الدولتين، ولكن دون أن تتفق على ملامح محددة للدولة الفلسطينية. ففي حالة فرنسا، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عن رؤيته لدولة فلسطينية تضم حركة “حماس” منزوعة السلاح وتعترف بوجود الدولة الإسرائيلية. أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فلديه رؤية تقوم على العمل مع الأطراف الدولية من أجل وضع خطة “اليوم التالي” في غزة، لتتضمن إنشاء حكومة انتقالية وترتيبات أمنية تسمح بوصول المساعدات الإنسانية، وإصلاح السلطة الفلسطينية، وخروج قيادات حماس من القطاع، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، “باعتبارها خطوات رئيسية في اتجاه تحقيق حل الدولتين”.
ومن المهم هنا توضيح أن الفلسطينيين والإسرائيليين لم يتفقوا في جولات المفاوضات المتعددة التي عقدت طوال العقود الماضية على شكل واضح المعالم للدولة الفلسطينية، حيث لطالما كانت هناك أربع قضايا تعطل تنفيذ مسار الدولتين، والتي تُعرف باسم “قضايا الحل النهائي”، وهي: الحدود، والقدس، والأمن، واللاجئون. ومنذ مفاوضات طابا 2001 لم يتوصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي لاتفاق على أي من هذه القضايا الأربع، وكان هذا عاملاً مهماً في عدم قيام الدولة الفلسطينية بشكل فعلي حتى اليوم.
ومراجعة ما انتهت إليه مفاوضات طابا تجعلنا نتعامل مع الإعلان الغربي عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو الرغبة في الاعتراف بها بقدر من الحذر. ففيما يتعلق بالحدود، فهي تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية، ووافق الفلسطينيون والإسرائيليون في مفاوضات طابا على أن تكون حدود 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية، على أن يتم مد ممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة لتحقيق التواصل بين المنطقتين. إلا أن التوسع في إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في السنوات التالية على طابا فرض واقعاً جديداً بخصوص هذه المسألة، وذلك فضلاً عن مساعي الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على مدينة غزة كما أعلنت منذ أيام.
أما بالنسبة للقدس، فقد اتفق الجانبان خلال طابا على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وعلى أن تكون أورشليم عاصمة لدولة إسرائيل، ولكن منذ 2017 اعترفت واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وبخصوص الأمن، انتهت مفاوضات طابا إلى الاتفاق على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ويخضع مجالها الجوي لسيطرة القوات الإسرائيلية، ولا يُسمح للفلسطينيين إلا بقوات شرطية محدودة التسليح، وتساهم دول عدة في إعداد هذه القوات بدعم من الهيئات الدولية المعنية.
وأخيراً، قضية اللاجئين: طرحت إسرائيل في طابا أحد برنامجين، وهما برنامج العودة والتعويض، أو برنامج التأهيل وإعادة الإسكان في دولة ثالثة أو الدولة المضيفة، وأكد الجانب الفلسطيني حينها أن يختار بينهما اللاجئ الفلسطيني بإرادته الحرة.
وبالتالي، لن يقود الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية دون حسم هذه القضايا الخلافية الأربع تلقائياً إلى قيام الدولة الفلسطينية بشكل فعلي، وربما تكون نتيجته الوحيدة مرتبطة بوضعية السلطة الفلسطينية داخل منظمة الأمم المتحدة.
حيث شهد العالم في 1988 اعتراف عدد 83 دولة عضو في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، مما سمح لها بالانضمام للمنظمة كمراقب. وبالنظر إلى احتمال اعتراف كلٍّ من فرنسا وبريطانيا بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل، فهذا يجعل هناك أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن تعترف بالدولة الفلسطينية، إلى جانب روسيا والصين، ومن المحتمل أن تتحد إرادة هذه الدول الأربع على إعادة طرح مشروع القرار الذي طُرح العام الماضي في مجلس الأمن، والخاص بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل في الأمم المتحدة، والذي استخدمت ضده الولايات المتحدة حق الفيتو حينها. وفي حال تحقق ذلك وامتناع واشنطن عن التصويت على مشروع القرار هذا، تكون القيمة السياسية لموجة الاعترافات الأوروبية الحالية هي انتقال السلطة الفلسطينية من كونها مراقباً في الأمم المتحدة إلى عضو كامل العضوية… ولكن يظل السؤال المحوري: متى ستنشأ بشكل فعلي الدولة الفلسطينية؟