طقوس عاشوراء في المغرب: احتفال أم تمرد لجيل كامل على قيم المجتمع؟

طقوس عاشوراء في المغرب: احتفال أم تمرد لجيل كامل على قيم المجتمع؟

تصادف عاشوراء اليوم العاشر من شهر محرم، وهي مناسبة تعبق برائحة التراث الاجتماعي والثقافي. ارتبطت في أذهاننا، ولسنوات عدة، بمظاهر الفرح واللعب والترويح عن النفس، وبمجموعة من العادات والتقاليد التي تضفي عليها طابعًا جميلًا، خاصًا ومحليًا. وبالرغم من بعض الطقوس الاحتفالية التي تمثل بقايا وثنية، كطقس “الشعالة” وبعض أعمال السحر والشعوذة التي يقوم بها البعض تزامنًا مع عاشوراء، فإن هذا لم ينفِ لدى الغالبية منا الحمولة الدينية القوية لهذه المناسبة. لكن، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الاحتفالية تنزلق عن مسارها المعتاد لتتحول إلى أحداث عنف وشغب، وتؤدي إلى حالة من الاستنفار الأمني، ولتعكس نشوزًا سلوكيًا يمكن اعتباره تمردًا على القيم المجتمعية.

المشاهد لفيديوهات الشباب والقاصرين في مختلف المدن المغربية وهم يضرمون النيران في كل مكان ويدخلون في مواجهات دامية مع عناصر الأمن الوطني، لا يكاد يصدق أننا بصدد احتفالية، فالأمر أقرب إلى الاحتجاج والتعبير عن مشاعر كالسخط والغضب والحقد. الوضع خرج عن السيطرة في انفلات أمني خطير تسبب فيه المتورطون في هذه الأعمال، قبل اعتقالهم، باستخدامهم لقنابل وزجاجات بها خلطات متفجرة للتراشق بها مع بعضهم البعض والقائها على عناصر وسيارات الأمن والوقاية المدنية، وباستعمالهم لإطارات عجلات وقنينات غاز لإضرام النار، مما أدى إلى انفجارات قوية وإتلاف مجموعة من الممتلكات العمومية، ناهيك عن الاعتداء على ممتلكات خاصة كالسيارات والمطاعم، مما خلف إصابات بجروح في صفوف بعض السكان وعناصر الأمن الذين وجدوا أنفسهم تحت وابل من الحجارة والمتفجرات أثناء محاولاتهم لإيقاف هذا التمرد. وهنا يجب التقاط الإشارة، فعندما ينظر أطياف من المجتمع لعناصر الأمن الوطني والوقاية المدنية الذين يوفرون لهم الحماية ويمدون لهم يد المساعدة على أنهم أعداء وقوة قمعية تنتهز فرصة عاشوراء للتعدي عليهم ، فهذا دليل على خلل مجتمعي خطير يجب معالجته.

المشهد أيضًا شبيه جدًا بما يحدث في بلدان الحرب، خصوصًا أن فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات توفيت السنة الماضية جراء هذه الأحداث وأشخاص آخرون أصيبوا بعاهات مستديمة، مما يطرح تساؤلات من قبيل : هل يقوم هؤلاء الشباب بتقليد أعمى لما يشاهدونه في فيديوهات الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي ؟ و كيف تؤثر وسائل الإعلام على سلوكياتهم؟

 في تصريحات لأحد المارة قال أن هؤلاء الشباب أصبحوا يدخلون في منافسات مع أقرانهم الذين يسكنون في أحياء أو مدن أخرى حول من سيقوم بأكبر عدد من أعمال الشغب والتخريب ومن سيتمكن من التصدي لعناصر الأمن وإبعادهم ، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل يدرك هؤلاء الشباب والأحداث خطورة ما يقومون به؟ هل يقصدونه أم أنهم في تطبيق عملي للعبة ”الشفارة والبوليس” أو ألعاب الفيديو على أرض الواقع؟ هل هم واعون أم أنهم تحت تأثير المخدرات؟

كل هذه الفوضى تعكس تغيرًا في المجتمع يستلزم تدخلًا وتعاونًا بين فئة المثقفين والمختصين في علوم التربية والنفس والاجتماع والخبراء في الأمن والسياسة والإعلام و الدراسات الدينية، لدراسة هذه الظاهرة المتكررة و لفهم وتحليل هذه الأحداث وتفسير أسباب هذه السلوكيات العنيفة بهدف الوصول إلى حلول وإجراءات استباقية تمنع حدوثها، وتعيننا على فهم هؤلاء الشباب وتعديل سلوكياتهم.

فلابد أننا بصدد الحديث عن ممارسة اجتماعية وتقليد أفرغ من حمولته الدينية، وعن شباب يعانون من الفقر والبطالة، وفي بعض الأحيان من العنصرية والتمييز وعدم المساواة، خصوصًا أن معظم هذه الأحداث تقع في الأحياء الشعبية الفقيرة. وبالنظر لمدى تنظيمهم في مجموعات وارتدائهم لثما وتشكيلهم لقوة هجومية عنيفة، أليس من الممكن أن يكونوا معرضين لخطر التأثيرات الخارجية كالتحريض أو التمويل من قبل جماعات معينة مما قد يؤدي، لا قدر الله، إلى اندلاع هجمات؟ هل على الأمن الوطني سنويًا وبحلول هذه المناسبة أن يركز جهده ووقته وطاقته على تجاوزات بإمكاننا تجنبها وعدم القيام بها؟

هناك أسباب أخرى قد تفسر هذا الشغب، من أهمها تقصير الأسرة والمدرسة في دورهما التربوي والتوعوي في غياب تام للتأطير الديني والاجتماعي والثقافي أو لمراكز دمج وتأهيل الشباب. لذا وجب التفكير في حلول من قبيل: تنظيم برامج توعوية وتثقيفية للشباب والأطفال ولأسرهم حول أهمية احترام القانون والسلطات المحلية، وتوضيح عواقب العنف والشغب، دون إغفال ضرورة التوجيه الديني لتوضيح القيم والمبادئ الدينية التي تشجع على السلام والتسامح واحترام الغير. يجب أيضًا تشجيعهم على المشاركة الفعالة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية حتى يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم ومن تفريغ طاقاتهم بطريقة إيجابية. أضف إلى ذلك أنه من الضروري توفير الدعم النفسي اللازم لفهم ومعالجة مشاكلهم وتشجيعهم على العمل التطوعي، مما سيمكنهم من المساهمة في خدمة المجتمع وتعزيز روح التضامن والتعاون.

فيما يخص المقاربة الأمنية التي ستكون ناجعة في الحد من هذه الممارسات العنيفة، فيجب أن تتخذ صبغة وصفة استباقية، وذلك بالقيام بإجراءات شبيهة بمثيلتها التي تتخذ في رأس السنة الميلادية، وأيضًا من خلال منع بيع المفرقعات والمتفجرات والمعاقبة على حيازتها.

أمر آخر في غاية الأهمية، فإذا أعطيت للقياد والباشوات والقوات المساعدة صفة الضبطية، أما آن الأوان لتزويدهم بالسلاح والقنابل المسيلة للدموع؟ خصوصًا أنهم يجدون أنفسهم أمام شباب منظمين على شكل عصابات يهاجمونهم بالقنابل والحجارة. إجراء كهذا من شأنه دفع الشباب للتفكير مليًا قبل توريط أنفسهم في أحداث الشغب. فإطلاق سراحهم كل مرة يفسر عدم خوفهم وتجاوزاتهم. ألا يجب في حق كل من أقدم على أعمال الشغب التوقيف الاحتياطي في الإصلاحيات ،إن كانوا قاصرين، وفي السجون إن كانوا بالغين، والعمل على إعادة تأهيلهم؟ ألم يحن الوقت لتطبيق قانون مماثل لقوانين الشغب في الملاعب؟.

قد لا يتفق البعض مع تطبيق هذه التدابير الأمنية ، لكنها ستكون عملية إجرائية، وخصوصًا ردعية، بشكل قد ينهي ويوقف هذه الفوضى.

وفي الختام، لا بد من التأكيد على ضرورة وضع هذه الأحداث محل دراسة من قبل المتخصصين، وتتبع هؤلاء الشباب، فهم ثروة لا يجب أن تهدر، فلنا أن نتخيل كيف سيدافعون عن وطنهم بشراسة إذا ما تشبعوا بحبه وسخروا طاقتهم لخدمته. مع العمل على الحد من ظاهرة العنف والشغب في كل المناسبات، حتى لا تتسع رقعتها المكانية وحيزها الزماني، وحتى نحافظ على الأمن والاستقرار الذي ننعم به، والحمد لله.