محمد فوزي: نغم البهجة القادم من ساحة السيد البدوي

السلفيون الوهابيون يكرهون الفرح ويكرهون الموالد ونحن نحب الفرح ونحب الموالد، ونخص بالحب والذكر، مولد السيد البدوى،
لأنه أعطانا محمد فوزي وعبد الحكيم قاسم ومصطفى إسماعيل وسعاد محمد، أما عبد الحكيم قاسم فهو روائي كبير المقام كتب رواية مهيبة شامخة مسلحة بالحوار الشعبي الأصلى والسرد الفصيح البسيط والشخصيات الرائعة المضمون، شخصيات المولد شيخ الطريقة الرجل الذي يتولى إصلاح الكلوبات والرجل صاحب الجمل الذي يحمل الزيارة إلى السيد البدوى «أبو فراج أو السطوحي ولم تظهر رواية لكاتب من الوجه البحرى تنافس هذه الرواية أو تقدم ما لم يقدمه قاسم رحمه الله، ولكن المنجز الموسيقى لساحة السيد البدوى مازال حيا كل يوم نستمع صوت فضيلة الشيخ الكبير مصطفى إسماعيل الذي جاء من ميت غزال» بأمر من الملك فاروق ليكون ضمن القراء الذين يحيون الليالي الرمضانية في قصر عابدين، قبضت عليه مديرية الغربية وأرسلته من قريته إلى القصر في القاهرة، فقابله الباشا المسئول عن الخاصة الملكية وأنزله في فندق شبرد، ومن يومها انطلق هذا الصوت السماوى القسمات ليخترق العالم الإسلامي من الشرق إلى الغرب ويسكن القلوب، وكذلك كان محمد فوزي عبد العال الحق تعلم في ساحة السيد البدوى فنون الغناء الشعبى وامتص رحيق الوجدان الفلاحي وعشق مدرسة السيد درويش وأصبح تلميذا نجيبا فيها، وكافح كفاح الموهوبين العصاميين ليستطيع الوقوف على خشبة المسرح وعانى كثيراً، حتى وجد المساعدة والدعم من السيدة بديعة مصابني التي استدعته للعمل فى الصالة التي كانت تملكها في وسط مدينة القاهرة في أربعينيات القرن الماضي ولم يكن وحده في الصالة، كان معه فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب، ومن صالة بديعة إلى فرقة فاطمة رشدى، وكانت فاطمة رشدى مؤمنة بموهبته وهي موهبة فذة، استطاع أن ينتزع اعتراف الجماعة الفنية بنصفها، وكافح حتى اعترفت الجماعة بالنصف الثاني، فهو تقدم إلى الإذاعة المصرية، وخضع لاختبارات الصوت واختبارات التلحين، فأجازته اللجنة المشرفة في فرع التلحين، وأسقطته اللجنة الأخرى المشرفة على الغناء، فأصبح في وضع مدهش، تذيع الإذاعة أغنياته التي قدمها ضمن الأفلام السينمائية، رغم عدم اعترافها به مطربا، وهذا معناه عدم تخصيص وقت له ليغنى مقابل أجر، إسوة بالمطربين المجازين المعتمدين في سجلاتها الرسمية ولكن بعد ثورة ٢٣ يوليو اعترفت به الإذاعة مطربا واعترفت به دولة الجزائر ملحنا عبقريا، فهو ملحن النشيد الوطني الجزائرى الذى كتبه الشاعر الشهيد الثائر مقدى زكريا ومازال الشعب الجزائري يتغنى بهذا النشيد الذى لحنه محمد فوزي منذ العام ١٩٥٦ ومازال الشعب المصرى يحصل على الفرح من صوت هذا الفنان الرائع الذي تربى فى ساحة السيد البدوى رحمه الله بواسع رحمته، وقد غادر الدنيا الفانية في يوم ٢٠ أكتوبر ١٩٦٦ وكان قد ولد في ١٦ أغسطس ۱۹۱۸ ومازال حيا فى قلوب جمهوره وعشاق فنه الراقي.
«ودّع هواك وانساه وانسانى».. موَّال عبد المطلب المثير للوجع
في قلب كل إنسان جُرح عميق، جُرح عاطفي بالطبع وغالباً ما تكون الإصابة بهذا الجرح قد وقعت في سنوات الشباب الأولى التى يسخر منها أطباء النفس ومدربو التنمية البشرية ويعاديها شيوخ الوهابية ويعتبرون أنها سنوات الخضوع للشيطان لكن الحقيقة هى أن السن الخضراء الحلوة، الواقعة بين المرحلة الثانوية ونهاية المرحلة الجامعية .
من السادسة عشرة حتى العشرين أو بعدها بقليل هي سن الصدق الشعورى، تكون المشاعر متدفقة صادقة، خاصة بين أبناء الريف والصحاري والمدن – الصغيرة في الوجه القبلى والبحرى، لأن هذه البيئات تعادى الحب وتعتبره الحرام الذي يجب أن يتصدى له الجميع، وفى العموم، كان موال ودع هواك وانساه و انسانی خیر دليل على صدق کلامی، فالمطرب محمد عبد المطلب عبد العزيز الأحمر من مواليد شبراخيت فى محافظة البحيرة وينتمى إلى قبائل أولاد على الأحمر، وهي قبائل تسكن البحيرة ومطروح والإسكندرية، وتنتمى إلى القبيلة الكبرى بنى هلال والنسابون يخطئون في نسبتها إلى بنى سليم والمهم هنا أن عبد المطلب غنى هذا الموال بصدق الرجل البدوى العاشق، رغم أن اللهجة المكتوب بها الموال، لهجة مدنية، تسمعها في القاهرة وغيرها من المدن، وعندما يصل إلى جملة عمر اللى راح ما هيرجع تانی تسیل دموع الأسى من عيون جرحى الحب المنتشرين في القرى والنجوع والعزب والكفور، هؤلاء الجرحى الذين لا يقدرون على البوح، لأن البوح مكلف والكتمان قانون فرضته الحياة نفسها، ولكن كلما أذيع – الموال المسيل للدموع – انفجرت شلالات الحزن في الصدور الجريحة والقلوب المكسورة وتفجرت الأوجاع في الأجسام المتدثرة في النسيان – الوهمى الظاهرى – وصدقنی یا عزیزی القارئ لو قلت لك إن المطرب محمد عبد المطلب اخترق قلوب الملايين بهذا الموال لأنه غناه بصدق فالموجوع يشعر بالموجوع، ويستطيع أن يرسل إليه الرسالة بالطريقة التي تمس قلبه.
أما عبد المطلب فهو فنان جميل القلب والروحله صوت عريض شجى صوت رجالی حقیقی قوى تربى في مدرسة محمد عبد الوهاب وداود حسني، ولحن له محمود الشريف أغنية رائعة اسمها بتسأليني باحبك ليه ونجحت الأغنية وحققت له الشهرة، ومحمود الشريف ملحن عبقري من تلاميذ السيد درويش وله مكانته فى تاريخنا الموسيقى وعبد المطلب مطرب له بصمة خاصة وطريقة ضمنت له البقاء فى قلوب الناس حتى يومنا هذا، هو صاحب «رمضان جانا وفرحنا به» و «تسلم إيدين اللى اشترى الدبلتين والإسورة» وغيرها من الروائع، وفى أغسطس نتذكره دائما، فيه ولد ١٣ أغسطس ۱۹۱۰» وفيه ودع الدنيا «٢١ أغسطس ۱۹۸۰ رحمه الله بواسع رحمته.
شويكار.. جمال تركى وشركسى والروح مصرية أصلية
في فيلم «الباب المفتوح» قدمت شویکار، شخصية الزوجة التي باعها أهلها للرجل الغنى وأثبتت أن الحب هو الرباط المقدس الذي يحمى العلاقات الزوجية وكان وجودها في لحظة خطبة الدكتور الجامعي لابنة خالتها فاتن حمامة بطلة الفيلم، أحد أسباب إنهاء العلاقة بين الدكتور المتحرش بالعيون – وبين فاتن حمامة الفتاة الرومانسية المثقفة التي تفرق بين الحب والحرمان الجنسي، ولم تفعل شويكار شيئاً في هذا المشهد لكن أنوثتها الطاغية، أسقطت القناع – عن وجه الدكتور المتوحش –
وفي فيلم «السقا مات» قامت شويكار بدور عزيزة المرأة التي تعيش في الحي الشعبي القاهرى وتحترف البغاء، ولها مدير أعمال يتعاقد مع الزبائن ويتقاضى منهم الرسوم ويحدد المواعيد، ورغم أنها لم تتعرى جسديا بالصورة المتوقعة، إلا أن حواراتها مع الرجل المسئول عن حنفية المياه كانت تفيض بالأنوثة الشعبية التي كانت سائدة في سنوات العشرينيات من القرن الماضي، وفي فيلم «الكرنك» قدمت – شويكار – شخصية الراقصة النبيلة العاشقة التي اعتزلت الرقص واكتفت بإدارة المقهى وعشق الطالب الثورى – محمد صبحي – وفى فيلم «أدهم الشرقاوى أقنعتنى الفنانة التركية الشركسية ذات الروح الحلوة المصرية الأصلية بشخصية ابنة الباشا المتغطرسة وهذا كله له معنى واحد هو الموهبة وموهبة شويكار تحرسها الأنوثة الفياضة، ورغم رحيلها في 14 أغسطس 2020 لم ترحل عن عقول وقلوب الذين أسعدتهم بأدوارها الجادة والكوميدية.