نداء إلى العالم في اليوم العالمي للعمل الإنساني

في خضم الحروب والنزاعات والكوارث التي تعاني ويلاتها مناطق متعددة بالعالم يلوح في الأفق طوق نجاة من خلال الحملات والمبادرات الإنسانية لإنقاذ الأرواح أثناء الأزمات والكوارث ودعم الفئات الأكثر احتياجا.
وفي 19 أغسطس من كل عام، يحتفي العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008، وفق قرار الجمعية العامة رقم (A/63/L.49) الخاص بتعزيز وتنسيق المساعدة في حالات الطوارئ وذلك تخليدا لذكرى ضحايا الهجوم الذي استهدف مقر المنظمة الدولية في بغداد عام 2003 ومن بينهم مسئولة الأمم المتحدة رفيعة المستوى المصرية نادية يونس، والتي استشهدت نتيجة الهجوم على مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد يوم 19 أغسطس 2003 والذي قتل فيه أيضا الممثل الخاص للأمين العام في العراق سيرجيو فييرا دي ميلو و21 من زملائه في تفجير مبنى المنظمة الدولية في بغداد.
* دعوة للتضامن العالمي
ويمثل اليوم العالمي للعمل الإنساني دعوة للتضامن العالمي وترسيخا لمبدأ أن العمل الإنساني لا يعرف حدودا جغرافية أو سياسية، بل يستند إلى قيم الرحمة والعدل والكرامة الإنسانية والايثار.
ويهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على الجهود الإنسانية وتكريم آلاف العاملين والمتطوعين الذين يضحون بأرواحهم من أجل إنقاذ الآخرين حينما تتساقط القذائف أو تعصف الكوارث.
فعلى سبيل المثال ..في عام 2024 وحده، أزهقت أرواح أكثر من 380 عاملا إنسانيا وأصيب مئات غيرهم أو اختطفوا أو احتجزوا أثناء أداء واجبهم وكان 200 منهم في غزة وحدها مما جعله العام الأكثر فتكا على الإطلاق.
ولعل الإحصاءات الدولية تكشف حجم معاناة البشر في مناطق النزاعات واحتياجهم لمساعدات انسانية عاجلة حيث تسعى الأمم المتحدة لدعم نحو 305.1 مليون شخص داخل 72 بلدا في حاجة إلى المساعدة الإنسانية خلال عام 2025، بما يتطلب تمويلا قدره 47.4 مليار دولار أمريكي وذلك حسب تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وحتى منتصف عام 2024، بلغ عدد المهجرين قسرا 122.6 مليون شخص. وفي غزة، تم تهجير 90% من السكان (1.9 مليون نسمة).
وقد حرم أكثر من 52 مليون طفل من التعليم بسبب النزاعات خلال عام 2024، وفي غزة، قتل 12035 طالبا و492 معلما، وتعرض 88% من المدارس لخسائر وأضرار.
كما يوجد في السودان 11 مليون نازح داخليا أي ما يعادل 30% من السكان. وقد واجه 755.300 شخص أوضاعا كارثية منها المجاعة خلال الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع عام 2023 .
وليست كل المساعدات الإنسانية نقدية .. فعلى الرغم من جدواها الاقتصادية، ظلت المساعدات النقدية والقسائم متوقفة عند 23% من مجموع المساعدات الإنسانية العالمية في عام 2023.
* تفعيل القانون الدولي الإنساني
وقد آن الأوان لتفعيل القانون الدولي الإنساني و الضغط الفاعل على أصحاب القرار، من أجل حماية أرواح العاملين في المجال الإنساني والمدنيين الذين يخدمونهم.
*حماية خاصة للمتطوعين
ويحظى المتطوعون الذين يعملون في المجال الإنساني بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المتطوعين أو الهجوم عليهم، ويجب حمايتهم من أي عنف أو أعمال قمعية.
وتتضمن اتفاقيات جنيف لعام 1949 م والبروتوكولات الإضافية لعامي 1977 و 2005 أحكاما لحماية المتطوعين بمناطق النزاعات حيث يتعين على أطراف النزاع أن تحترم وتحمي المتطوعين العاملين في المجال الإنساني، وأن توفر لهم حرية الحركة والتنقل الضرورية لأداء مهامهم.
ويحق للمتطوعين الحصول على المساعدة اللازمة لأداء مهامهم، بما في ذلك حرية الوصول إلى المناطق المتضررة من النزاع.
ويجب معاملة المتطوعين الذين يقعون في قبضة أطراف النزاع معاملة إنسانية، ويجب حمايتهم من أي عنف أو أعمال قمعية.
* حملة دولية من أجل الإنسانية
وبالتزامن مع الاحتفاء بهذا اليوم تنطلق حملة العمل من أجل الإنسانية (نفتقد الحماية وتغيب المساءلة)، على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم من يلبون نداء الإنسانية رغم الحواجز والنيران والمخاطر وتطالب الحملة الجماهير بالمشاركة والتعبير وطلب التحرك مستخدمين الوسم #من_أجل_الإنسانية ونشر كل منشور، وكل وسم، وكل حوار، يضاعف الضغط من أجل توفير الحماية للمتطوعين لأنه لا يمكن للعاملين في المجال الإنساني أداء مهامهم دون مظلة أمان أو موارد.
*مبادرات إنسانية
وتظل المبادرات الإنسانية سواء دولية أو محلية شاهدا على أن بزوغ الأمل ممكن حين تتضافر الجهود لخدمة الإنسان أينما كان.
وقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة، إطلاق مبادرات إنسانية كبرى لمواجهة الأزمات، أبرزها:
-شبكة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولي التي تقدم خدمات الإغاثة السريعة في مناطق النزاعات والكوارث الطبيعية.
-برنامج الأغذية العالمي (WFP) الذي يوفر مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 150 مليون شخص سنويا.
-والتحالف العالمي للقاحات (GAVI) الذي ساهم في توفير اللقاحات المنقذة للحياة في الدول النامية، وكان له دور محوري في توزيع لقاحات كورونا.
-الحملة الأممية “صفر جوع” (Zero Hunger)) الهادفة إلى القضاء على الجوع بحلول عام 2030 عبر الدعم الغذائي والتنمية المستدامة.
*تفاقم الكارثة الإنسانية بغزة
ويتزامن اليوم العالمي للعمل الإنساني هذا العام مع تفاقم الكارثة الإنسانية التى يشهدها قطاع غزة واستمرار معاناة الأشقاء فى فلسطين بسبب الحرب المستمرة منذ نحو عامين وما ارتكب خلالها من انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، بما فى ذلك استهداف للعاملين فى المجال الإنساني والمساعدات الإنسانية ومنع دخول هذه المساعدات فى إطار سياسة العقاب الجماعي التى تهدف الى تجويع المدنيين وفرض حصار عليهم.
ولاننسى هنا جهود منظمة الإغاثة الإسلامية التي تدين جميع أعمال العنف ضد المدنيين وتدعو إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عقود على غزة و الذي عزل المنطقة عن بقية العالم، ورفع مستويات الفقر والبطالة وشل الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه.. ففي غزة، يحتاج 1.3 مليون إنسان إلى مساعدات إنسانية، مع عدم قدرة الكثيرين على إطعام أنفسهم أو أطفالهم بشكل كاف.
وتعمل الإغاثة الإسلامية في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1997، حيث تقدم للعائلات المساعدة اليومية الأساسية مثل الغذاء والنقد والمأوى والمياه النظيفة. ويدعم مكتبها في غزة أيضا المدارس والمستشفيات، لمساعدة الشباب على إيجاد سبل للتكسب، ومساعدة الأطفال الضعفاء والأمهات الأرامل.
*قوافل إنسانية من مصر لغزة
وتتدفق المساعدات الإنسانية برا وجوا وبحرا من دول مختلفة لإنقاذ غزة وتتعدد القوافل الإنسانية التي أرسلتها الدولة المصرية إلى مناطق منكوبة مثل غزة والسودان وسوريا.
وقد حرصت مصر منذ بداية الحرب على غزة على تقديم يد العون للأشقاء فى فلسطين لتخفيف معاناتهم وتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة لهم من أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية، كما فتحت أبوابها للجرحى وأسرهم وغيرهم من الفارين من ويلات النزاع المسلح فى فلسطين .
وتبرز هنا جهود الهلال الأحمر المصري في مواجهة الأزمات، حيث يعمل الهلال الأحمر كآلية لتنسيق وتفويج المساعدات إلى غزة، على الحدود منذ بدء الأزمة إذ لم يتم غلق معبر رفح من الجانب المصري نهائيا، وجهوده المتواصلة لدخول المساعدات التي بلغت أكثر من 36 ألف شاحنة محملة بنحو نصف مليون طن من المساعدات الإنسانية و الإغاثة، وذلك بجهود نحو 35 ألف متطوع بالجمعية.
وفي ظل استمرار الحصار الخانق والأزمة الإنسانية المتفاقمة التي يعيشها سكان قطاع غزة، انطلقت كثير من قوافل المساعدات من مصر لعل من أبرزها مؤخرا انطلاق قافلة المساعدات الإنسانية السادسة عشرة من مصر إلى القطاع الفلسطيني المحاصر عبر معبر كرم أبوسالم، في سباق مع الزمن لتلبية الاحتياجات المتزايدة ورفع العبء عن سكان غزة الذين يواجهون ظروفا معيشية صعبة.
وتحمل قوافل المساعدات الإنسانية التي تتحرك من مصر إلى قطاع غزة، آلاف الأطنان من المواد الغذائية والإغاثية والطبية والوقود.
وهناك أيضا قافلة “زاد العزة .. من مصر إلى غزة”، التي أطلقها الهلال الأحمر المصري، في 27 يوليو 2025 حاملة آلاف الأطنان من المساعدات التي تنوعت بين سلاسل الإمداد الغذائية، دقيق، ألبان أطفال، مستلزمات طبية، أدوية علاجية، مستلزمات عناية شخصية، وأطنان من الوقود وغيرها .
وتظل مصر بحكم موقعها الجغرافي مركزاً رئيسيا للعمل الإنساني وسوف تستمر فى الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الناجمة عن الأزمات والكوارث، وتثمن فى هذا السياق الدور المهم والنبيل الذى تبذله منظمات المجتمع المدني المصرية فى حشد وتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة، كما تشيد بالدور المهم للمنظمات والوكالات الأممية والدولية العاملة فى هذا المجال وتؤكد دعمها لها .
وتؤكد مصر بهذه المناسبة إيمانها الراسخ بالإنسانية، والحيادية وعدم الإنحياز، والنزاهة والاستقلالية وعدم التسييس كمبادئ أساسية عامة للعمل الإنساني. وتثمن عالياً الجهود التى يبذلها العاملون فى المجال الانساني، والأبطال الذين يعملون في ظروف شديدة الصعوبة ويخاطرون بأرواحهم لانقاذ حياة الأخرين وتوفير الحماية لهم وتخفيف معاناتهم.
كما لم تنس مصر أشقائها في السودان، حيث استقبلت ما يزيد عن 500 ألف سوداني منذ نشوب الاشتباكات في أبريل 2023، ووفرت لهم كل سبل الدعم والرعاية؛ وذلك بالإضافة إلى حوالي 5 ملايين سوداني آخرين يقيمون خلال الأزمة في مصر.
* حياة كريمة وبداية جديدة
وعلى المستوى المحلي، أطلقت مصر عددا من المبادرات الإنسانية التي حظيت بإشادة دولية، ومنها:
-مبادرة “حياة كريمة”، أكبر مشروع قومي لتطوير الريف المصري يستهدف تحسين مستوى معيشة نحو 60 مليون مواطن.
ومن أبرز المبادرات المحلية بمصر المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية(بداية جديدة لبناء الإنسان) والتي تفتح طريقا للمواطن المصري نحو التنمية الذاتية والصحية والتعليمية والرياضية والثقافية والسلوكية من أجل تقديم مواطن صحيح، متعلم، متمكن، قادر، واعي، مثقف وخلوق للمجتمع.
-مبادرة “100 مليون صحة” التي نجحت في القضاء على فيروس سي والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة.
-برامج “صندوق تحيا مصر” مثل “نور حياة” لمكافحة مسببات ضعف وفقدان البصر و”دكان الفرح” لدعم الفتيات المقبلات على الزواج.
وختاما.. تحية تقدير في هذا اليوم العالمي لكل عامل في المجال الإنساني مؤمن بالقيم الإنسانية النبيلة من المتطوعين الذين ضحوا بأرواحهم لأجل إنقاذ الأخرين.