سامر أبو شندي: إحياء ذكرى رحيل الدكتور غازي القصيبي

سامر ابو شندي

في الخامس عشر من الشهر الجاري مرت الذكرى الخامسة عشرة لوفاة الروائي و الشاعر الدكتور غازي القصيبي.
ولد غازي عبد الرحمن القصيبي في العام ١٩٤٠ .
قضى سنوات عمره الأولى في مدينة «الأحساء» في «المنطقة الشرقية» من السعودية، ثم انتقل بعدها إلى العاصمة البحرينية المنامة ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا.
أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه حياة في الإدارة.
لن أسهب في شرح المناصب التي تقلدها القصيبي داخل و خارج المملكة العربية السعودية فكان في حياته رجل دولة من الطراز الرفيع، حارب الترهل الاداري و دعا دوما الى العمل الجاد الذي يؤدي للنهوض.
ما يهمني هو تناول القصيبي كروائي فقد صدرت له رواية العصفورية، و رواية شقة الحرية، و عند شقة الحرية سوف اتوقف طويلا، فعندما كنت في المرحلة الجامعية وقعت شقة الحرية تحت يدي و انا ادرس في كلية الحقوق و لقت انتباهي ان المؤلف لهذه الرواية هو خريج كلية الحقوق من جامعة القاهرة،و بدأت رحلتي الشيقة على صفحات شقة الحرية، فوجدت الكاتب يكتب نفسه فبطل الرواية هو شاب بحريني، ينتقل في الخمسينات من البحرين الوادعة الى القاهرة الصاخبة بالبشر و الافكار، و عبد الناصر و الجماهير و التأميم ، فكان القصيبي الى حد كبير يكتب سيرته الذاتية، حيث رافق والده الذي انتقل من المملكة العربية السعودية الى البحرين و قضى في البحرين حياته يافعاً على مقاعد الدراسة، يصف بحرين الخمسينات وصفا ساحرا، و يرسم بدقة الزحف الحضاري و الحداثي الذي اصابته هذه الجزيرة الوادعة، أما في القاهرة فيدرك بعين الكاتب المرهف الفوران الثوري للقاهرة و صراع الافكار، و يصف تفاصيل حياة الشباب في قاهرة المعز، و اهتماماتهم سرورهم و انكساراتهم.
أعدت قراءة هذه التحفة السردية عدة مرات، و عندما كتبت روايتي الاولى الموسومة طواحين الهوا تاثرت كثيرا بشقة الحرية.
ففي روايتي طواحين الهوا الصادرة عن دار نور للنشر في ألمانيا الاتحادية، بطلي عدنان كان طالبا للحقوق لكن في جامعة بغداد و ينتقل للدراسة بعدها في دورة عسكرية في بريطانيا، و يحضر الحرب العراقية الايرانية و حرب الخليج الثانية، ثم يهاجر الى كندا التي يعمل فيها أستاذا جامعيا للقانون في جامعة بربتيش كولومبيا، حاولت فيها ان ارصد تغيرات المجتمع العراقي، ازمة السفر و الغربة و المنفى، فان البطل  عدنان كان مثالا للالتزام و المثابرة، بخلاف زميله في العمل ستار الذي كان ينتهج العنف في العمل و عند هجرته انجرف نحو الاتجار بالممنوعات و انتهى به المطاف في حزب راديكالي، لن أروي النهاية و لقاء عدنان مع ستار في المنفى و سأترك ذلك للتشويق.
و أعود لعبقرية القصيبي ككاتب و مفكر فقد ترك الى جانب مؤلفاته مقولات كتبت بماء الذهب
فمن أقواله الشهيرة:
«عندما قرر الصهاينة إنشاء دولة لهم كانت اللغة العبرية لغة ميتة بعثوها بعثاً من المعاجم واستخدموا مفرداتها حتى أصبحت لغة حية! أما نحن فقد ورثنا أكثر اللغات حياة فبذلنا أعظم جهد لقتلها).
(العمل لا يقتل مهما كان شاقا و قاسيا، و الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان).
أعمض اغماضته الأخيرة و رحل عن عالمنا في 15 آب من العام 2010.
لكن سيبقى القصيبي حيا بيننا في نتاجه الأدبي، فالكلمة الشريفة تبقى عنوانا للخلود، و يحلو لي ان ان القب القصيبي بإدوارد سعيد الجزيرة العربية.

كاتب من الاردن