فترة تصنيع الإبداع | باسمة يونس

د. باسمة يونس
لم تكن قضية حقوق الملكية الفكرية للأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، مطروحة بهذه الحدة قبل عقد من الزمن حين كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مجرد أداة برمجية تساعد الإنسان على أداء مهامه بشكل أسرع أو أكثر دقة. وبعد أن أصبح اليوم قادراً على كتابة روايات وتأليف مقطوعات موسيقية ورسم لوحات وتصميم برامج معقدة، بات السؤال عمن يكون المؤلف الحقيقي؟ وهل يحق للآلة أن تعتبر كائناً مبدعاً له حقوق ملكية فكرية مثل الإنسان؟
لقد وضعت القوانين الدولية التقليدية لحماية العقل البشري ولأن الإبداع في تعريف القانون الدولي يرتبط بوجود إنسان ذي وعي وإرادة وإحساس بالمسؤولية. لكن دخول الذكاء الاصطناعي على خط الإبداع قلب المعادلة، فبعض الأنظمة المنتجة لا يمكن التمييز بينها وبين ما ينتجه البشر. وهكذا بات هناك من يدافع عن منح الذكاء الاصطناعي حقوق تأليف خاصة به بحجة أن الإبداع يقاس بالنتيجة وليس بالوعي، ولا فرق في النتيجة بين أن يكون المبدع إنساناً أو آلة وبرأي البعض قد يشجع الاعتراف بإبداع الآلة على تطوير أنظمة أكثر إبداعاً، ويعكس واقع الشراكة الجديدة بين الإنسان والآلة في الابتكار.
في المقابل يؤكد المعترضون أن الإبداع ليس في النتيجة وحدها، بل في النية والوعي والتجربة الإنسانية، وهي عناصر يفتقر إليها الذكاء الاصطناعي الذي يعمل وفق خوارزميات ومعطيات مسبقة، ومن ثم فإن نسب العمل إليه ينطوي على خطأ فلسفي وأخلاقي ويفتح الباب أمام مشكلات قانونية معقدة، فمن يتحمل المسؤولية إذا انتهك الذكاء الاصطناعي حقوق الغير؟ وهل يمكن أن يحاسب نظام بلا وعي أو شخصية قانونية؟
كما أن الاعتراف بالآلة كمؤلف قد يؤدي إلى تهميش دور المبدع البشري وتحويل العملية الإبداعية إلى صناعة آلية تفتقر إلى روح التجربة الإنسانية. وبرزت حلول تحاول التوفيق بين الاعتراف بدور الذكاء الاصطناعي وحماية مكانة الإنسان، فهناك من يقترح نموذج الشراكة بين المبرمج أو المستخدم الذي فعل الأداة والذكاء الاصطناعي، وهناك من يرى أن الحقوق يجب أن تعود كاملة للجهة المالكة للنظام سواء كانت فرداً أو مؤسسة، بينما يذهب آخرون إلى اقتراح إطار قانوني جديد يسمى بحقوق المصنفات الآلية ويمنح الذكاء الاصطناعي صفة قانونية محدودة باعتباره شخصية إلكترونية، بحيث ينسب له العمل مع بقاء المسؤولية على البشر.
بعض الأطروحات تدعو كذلك إلى اعتماد تراخيص مفتوحة أو مشروطة، بحيث تتاح الأعمال المنتجة بالذكاء الاصطناعي للاستفادة العامة مع نسب الفضل للنظام ومطوريه أو السماح بالاستخدام التجاري وفق قواعد دقيقة.
وفي نهاية هذا الجدل الذي يتأرجح بين القانون والفلسفة والتقنية، يبدو أن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يستحق أن يعامل كمبدع، بل كيف نعيد تعريف الإبداع ذاته في عصر لم يعد العقل البشري فيه وحده سيد الحكاية.
[email protected]