العقل المتطفل: كيف تؤثر الأفكار الضارة على الفطرة الإنسانية؟

يقول جاد سعد: «إن قوى شريرة وشائنة تعمل ببطء في تفتيت التزام الغرب بالعقل والعلم وقيم التنوير، وأن هذه القوى مشابهة في عملها لطفيليات الدماغ الغريبة التي تغير سلوك الفئران فتجعلها أقل خوفاً من القطط، وتقود المجتمع البشري إلى عصر مظلم من التحيز والخرافة اللاعقلانية».
قراءة كتاب جاد «العقل الطفيلي.. كيف تقتل الأفكار المعدية الفطرة السليمة؟» (ترجمة هناء خليف غني) واجب لكل المعنيين بسياسات الضحية، وثقافة الإلغاء، والاعتداء على العقل، فهو لم يقف عند حدود تشخيص المرض بدقة، بل أوضح المسار المؤدي إلى علاجه.
عندما نفكر في الجائحة تتراءى أمامنا في الغالب صور الأمراض المعدية الفتاكة التي تنتشر سريعاً في البلدان، وتسبب معاناة بشرية، يتعذر تصورها مثل الطاعون الأسود والإنفلونزا الإسبانية ونقص المناعة المكتسبة، وكوفيد 19 الذي يفتك بقدرة الناس على التفكير بعقلانية، وعلى النقيض من الجوائح الأخرى، إذ يقع اللوم على مسببات المرض البيولوجية، يتألف المسبب المذنب الآن من مجموعة من الأفكار السيئة التي تقضم تدريجياً وبلا هوادة، صروح العقل والحرية والكرامة والفردية الخاصة بنا.
يحدد هذا الكتاب مسممات الأفكار، ويتناول مسألة انتقالها من الجامعات إلى جميع مسالك الحياة، ومن ضمنها السياسة والأعمال والثقافة الشعبية، ويقدم سبلاً لتلقيحنا من تأثيراتها الماحقة، يقول جاد سعد في أول فصول هذا الكتاب: قدمت خلاصة موجزة للعوامل التي دفعتني إلى أن أصبح محارباً، متحمساً ضد هذه الأفكار المدمرة، وهذه العوامل تشتمل على تجربة الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الأهلية اللبنانية «التي خبرها عندما كان طفلاً».
استقصى جاد التوتر بين التفكير والشعور، والتوتر بين السعي إلى الحقيقة والتخفيف من المشاعر المؤذية، وجادل في كتابه أن من الخطأ والحمق خلق هذا التوتر بين ملكة الإدراك والعواطف التي تخصنا، فنحن، على حد تعبيره، حيوانات لها القدرة على التفكير والشعور معاً. لكن المشكلة تنشأ عندما نطبق نظاما خاطئاً على موقف ما، مثل أن ندفع انفعالاتنا، بحيث تقودنا في موقف، يتطلب تفكيراً وإدراكاً، والعكس صحيح.
تكافؤ الفرص
المجتمع العادل بحسب جاد يضمن أن يتمتع أفراده بتكافؤ الفرص، لا بالمساواة في النتائج، مثلما تنص عليها أحكام التنوع والشمول والإنصاف، ويتناول الكتاب عدداً من مسممات الأفكار المناهضة للعلم والإدراك، حسب وجهة نظر المؤلف، وأيضاً الأفكار غير الليبرالية المتضمنة لما بعد الحداثة والنسوية الراديكالية والحراك العابر للنوع الاجتماعي (الجندر)، والفكرتان الأخيرتان متأصلتان في شكل هستيري للغاية من رهاب الطبيعة.
يرى جاد سعد أن مسممات الأفكار هذه تدمّر فهمنا للواقع والفطرة السليمة، من خلال تبني بعض المواقف وتأييدها.
يعاين الكتاب الوظيفة التي أدتها عقلية المناضلين المطالبين بالعدالة الاجتماعية في ظهور الجامعات، التي تضع ضمن أولوياتها التخفيف من المشاعر المؤذية على حساب السعي للحقيقة، وفي ضوء وجهة النظر هذه التي تفاقمت وانحرفت بفعل مشاعر الغضب والاستياء، يتوزع العالم إلى قسمين، فأنت إما شخص نبيل وقع ضحية، وإما متعصب، فاختر جانباً تقف فيه.
يستكشف المؤلف في كتابه متلازمة النعامة الطفيلي، وهو أحد أنواع اضطراب التفكير المرضي الذي يجرّد الناس من قدرتهم على تمييز الحقائق الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
يؤكد جاد أن مسممات الأفكار التي يناقشها في هذا الكتاب، تعود أساساً، إن لم تكن بصورة كاملة، إلى الأكاديميين اليساريين.
يدافع المؤلف عن الحاجة للحقيقة والحرية والتفكير المنطقي، بأسلوب لا يخلو من دعابة في كثير من الأحيان، وتشمل قائمة مسممات الفكرة التي يناقشها: موضوعات ما بعد الحداثة وثقافة الإلغاء والنظرية النقدية العرقية.