تعبيرات الفضاء الرقمي في الرواية العربية الحديثة

تعبيرات الفضاء الرقمي في الرواية العربية الحديثة

صدر مؤخراً عن دار «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن، كتاب «تجليات الفضاء الرقمي في الرواية العربية المعاصرة» لمؤلفيه د. أحمد رحاحلة و د. إيمان يونس وهو يرصد مرحلة انتقال الأدب إلى محاكاة العالم الافتراضي الذي أصبح جزءاً أصيلاً من الحراك البشري والتجربة الإنسانية العامة. وهو لا يتوقف عند وصف ظاهرة التحول تلك، بل يقترح أيضاً تصنيفاً للمضامين الرقمية الجديدة، ويحلل أثرها في العناصر السردية التقليدية، فاتحاً بذلك الباب على مصراعيه أمام دراسات نقدية مستقبلية ترصد أثر التطور التكنولوجي المتسارع في عالم الأدب الروائي.
يرتكز الكتاب على فكرة أنّ الرواية العربية، بوصفها جنساً أدبياً مرناً، لا يمكن أن تبقى بمعزل عن التحولات التكنولوجية والرقمية التي شهدها العالم منذ مطلع الألفية الثالثة. فالفضاء الرقمي (شبكات التواصل الاجتماعي، البريد الإلكتروني، المنتديات، التطبيقات، والهواتف الذكية) أصبح فضاءً موازياً للواقع المادي، بل ومتصلاً به اتصالاً وثيقاً، بحيث أوجد «مجتمعات رقمية» جديدة بسماتها وهوياتها وقوانينها، من هنا يسعى المؤلفان إلى رصد أثر هذا الفضاء في بنية الرواية العربية المعاصرة، سواء على مستوى المكان (باعتباره فضاءً سردياً)، أو على مستوى الشخصيات، والزمن، واللغة، والمضامين الروائية.
جاء الكتاب في زهاء مئتي صفحة، واشتمل على تمهيد وأربعة فصول وخاتمة. تناول التمهيد الإطار النظري، من خلال مراجعة تطور مفهوم المكان في النقد الأدبي، بدءاً من الفلاسفة (أرسطو، ابن سينا، نيوتن، آينشتاين) وصولاً إلى علماء الاجتماع والنقاد المعاصرين، حيث ألقى الكتاب الضوء على خمس وثلاثين رواية صدرت في مطلع القرن الحادي والعشرين، وتتوزع جغرافياً على عدد من الدول العربية، لتقديم صورة بانورامية عن كيفية توظيف الفضاء الرقمي. ومما يطرحه الكتاب أنّ المكان في الرواية لم يعد فقط حيزاً جغرافياً، بل تحول إلى فضاء اجتماعي وثقافي ورمزي؛ مما أحدث نقلة في طبيعة التفاعل السردي.
خلص الباحثان في خاتمة الكتاب إلى أن الفضاء الرقمي لم يعد عنصراً عرضياً، بل غدا مكوناً جوهرياً في الرواية العربية، وأن هناك مضامين سردية رقمية جديدة، مثل الهروب، المجتمعات الرقمية، الهوية الرقمية ظهرت بتأثيرٍ من هذا التحول، وأن الرواية العربية أثبتت قدرتها على التكيف مع التحولات الحضارية دون أن تفقد هويتها الورقية/التقليدية، وأن اللغة السردية تغيرت بدخول معجم رقمي، ما أثر في الأسلوب والبنية، وأن الزمن السردي تحوّل ليواكب الإيقاع الرقمي الفوري، وأن تنوّع العينات الروائية جاء من دول عربية متعددة ليؤكد أن الظاهرة عابرة للحدود القُطْرية وتشكل اتجاهاً عربياً عاماً يستحق مزيداً من الأبحاث والدراسات النقدية العميقة.