تجاهل تطوير التفكير النقدي | عبداللطيف الزبيدي

تجاهل تطوير التفكير النقدي | عبداللطيف الزبيدي

أليس من العجائب، أن القلم غاص طويلاً في غياب الفكر والفلسفة عن ريادة الفنون العربية (مسألة فنّيّة صارت قضية)، فإذا «يوتيوب» يصدمه بالعجب: «إذا وجدتَ إحدى هذه الحشرات الثلاث في بيتك، فإنك ضحية سحر أو حسد: النمل، الوزغ والدود». لا علينا، فالوزغة ليست حشرة. غاب العقل، حضرت الخرافات.
تحت وطأة الصدمة، يظل الدماغ يتخبط في ثلاثيّي ثبط وحبط. كان يحلم بأن تنبعث الفلسفة في جنبات الحياة العامة العربية بالتنوير، وإذا بوسائط التواصل تهوي بالعقل إلى قرار بلا قرار. وسائط، شئنا أم أبينا، تملك أدوات إعلامية. بل هي أدهى، فهي منفلتة، ومتصفّحوها تحصيهم الحواسيب. غاب العقل، حضرت الخرافات.
قضية، من يدري، فلعل وراءها من يريدها القاضية؟ مع شيوعية المعلومات، كنا نحلم بأن شبيبة العرب ستجعل مواقع العلوم أكثر من مواقع النجوم. لا بدّ من البحث عن الأسباب. ما من قضية إلا وفيها مسؤولية. العقل يقضي بعدم تحميل الأسرة تبعات هذا النمط من أداء الدماغ. صحيح أن السنوات الست الأولى، من عمر الطفل، لها أهمية كبيرة، إلا أن مراحل التعليم وأعوامها الستة عشر، من الابتدائية إلى الجامعة، هي السنون التي يجري فيها تكوين العقل. المأساة أن تلك الأباطيل غير موجّهة إلى صغار الحضانة والابتدائية. من يا ترى يخاطب ابنة خمس أو ثمان: «عزيزتي إن صادفتِ نملاً أو وزغاً أو دوداً في البيت، فاعلمي أنك مسحورة أو محسودة»؟ بالتالي فإن ذلك البهتان كلام بالغ إلى بالغين، أي أن الفاعل يعتقد أن في المجتمعات العربية، أناساً يصدّقون ذلك الافتراء. القضية ليست هيّنة، فما لا جدال فيه، هو أن أنظمة التعليم العربية، لو أحسنت بناء العقل الناقد، على أسس البحث العلمي والتفكير العقلاني الرشيد، ما كانت هذه الاستهانة بالعقول تلقى رواجاً في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. كان المؤمل أن نرى وسائط التواصل تحث على علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء، والذكاء الاصطناعي، وتساعد على تألق النابغين والمخترعين وأهل المواهب، لا أن تدعوهم إلى إهدار أوقاتهم الثمينة في البحث عن الديدان في بيوتهم. لماذا تبخل علينا الأخبار بما يجلي عن النفس سوء الظن بيقظة الأمّة وسلامة أجهزة مناعتها، فلا تتحفنا بأن أعداداً من مشوّهي صورة العقل العربي، ألقت بهم السلطات المختصة وراء القضبان؟ آمين.
لزوم ما يلزم: النتيجة الانتظارية: الخطوة العزيزة المتوقعة، هي أن تراجع المناهج العربية، مدى نجاحها في بناء العقل الناقد.
[email protected]