شخصيات ملهمة من الشعب | عثمان حسن

في العديد من ثقافات العالم تعد الشخصيات الشعبية الملهمة، والتي تم تجسيدها في كثير من الأعمال الأدبية والفنية، بالإضافة إلى رمزيتها المستقاة من قلب هذه الثقافات، بما تشتمل عليه من معان وأساطير، من مرتكزات الثقافة الأساسية التي لا تقل أثراً في مفاعيلها من ناحية الارتقاء بالوعي البشري.
شكلت هذه الشخصيات الشعبية حاضنة ثقافية، بما انطوت عليه من دراما اجتماعية وكوميدية ساخرة بما في بعضها من «أسطرة ورمزية» مؤثرة في الوجدان الشعبي، كما شكلت جانباً مهماً من نسيج الثقافة الإنسانية خاصة بعد أن تعرف إليها العالم في كثير من نماذج الأدب العالمي.
وقد تحولت هذه الثقافة الشعبية من خلال الأدب إلى فن مشهدي ينبض بالحيوية والحركة، وساهمت كثير من قصصها وحكاياتها وشخصياتها في انتشار واسع للأدب على مستوى العالم.
هناك أمثلة عديدة من الأدب العالمي المؤثر والناجح الذي أبرز تراث بلدان وقارات لم تكن معروفة من قبل، غابرييل غارسيا ماركيز على سبيل المثال، نجح في إبراز تراث أمريكا اللاتينية من خلال روايته «مئة عام من العزلة»، حيث تقرأ في الرواية عن شخصية فيزيتاسيون وكاتاوري، وهما من شعب الوايو الأصيل في المنطقة، حيث لعبت هاتان الشخصيتان دوراً في إثراء الرواية بالثقافة المحلية وما فيها من تأمل في نواميس الكون، وهناك شخصية ميلكياديس، الرحالة الغامض والساحر الذي يترك لفائف غامضة تحمل نبوءات عن مصائر العائلة كما في الرواية.
الأدب الإفريقي بمجمله، تتوزع بين جنباته الكثير من العادات والثقافات الشعبية، التي كان لها أثر مهم في نجاح هذه الأعمال على سبيل المثال تشينوا أتشيبي في روايته «أشياء تتداعى»، عرّف القارئ بشخصيات يعكس وجودها بنية المجتمع، وما فيه من أسرار روحانية ومواقع مقدسة كالعرافة أغبالا.
نجحت كثير من الأعمال المعروفة عربياً نجاحاً ساحقاً، بما فيها من تراث فني وقصص وحكايات شعبية فكاهية كما هي حال جحا وشهرزاد والسندباد في «ألف ليلة وليلة» انتشرت هذه الشخصيات الشعبية الملهمة في العديد من ثقافات العالم، وتم استثمارها في كثير من الأعمال الفنية والمكتوبة، حيث انتقلت شخصية جحا العربي إلى شعوب وثقافات مختلفة في آسيا وأوروبا، بألقاب ومسميات مختلفة.
كانت هذه الشخصيات بما اشتملت عليه من جانب فني وترفيهي يعكس قيم المجتمع وعاداته، قد شكلت ملامح ثقافية وفنية مكثفة عززت من رصيد هذه الفنون والتراثات الشعبية في ذاكرة آداب وفنون العالم.
ولكن، يطرح سؤال جوهري حول واقع الشخصيات الشعبية والفنية المختلفة في بيئاتنا العربية، وما إذا كانت قد أخذت حقها بالفعل في الاهتمام على المستويات الرسمية والأهلية، أم أننا ما زلنا في بداية الطريق لتأصيل هذه الشخصيات وجعلها مرتكزات جوهرية في التفعيل الثقافي والمجتمعي.
[email protected]