فرصة مهمة للتفاوض حول البرنامج النووي | افتتاحية الخليج

فرصة مهمة للتفاوض حول البرنامج النووي | افتتاحية الخليج

توحي الأجواء التي سبقت الاستعدادات لجولة المفاوضات النووية بين إيران والترويكا الأوروبية في جنيف، بأنها فرصة أخيرة لتحقيق تقدم يُحدث انفراجة في هذا الملف المعقد، أو يدفع الأزمة إلى المجهول، بعد تلويح الدول الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بإعادة فرض العقوبات عبر آلية «سناب باك»، وتهديد طهران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
جولة المفاوضات الجديدة تأتي في توقيت حساس يتزامن مع اقتراب انتهاء المهلة الأوروبية لطهران بفتح منشآتها كافة أمام التفتيش الدولي مع نهاية هذا الشهر أو مواجهة عودة شاملة للعقوبات. ورغم أن الوقت المتبقي لا يسمح بكثير من التفاؤل، إلا أن النافذة الدبلوماسية لن تغلق، ولن يكون هناك سبيل للاتفاق حول البرنامج النووي إلا عبر المفاوضات حصراً، خصوصاً بعد أن أسفرت الضربات العسكرية الأمريكية على ثلاث منشآت حيوية في نطنز وأصفهان وفوردو في حرب ال12 يوماً بين إيران وإسرائيل، عن نتيجة مبهمة وغموض كبير وترجيحات مؤكدة عن فشل ذلك القصف في ضرب قلب البرنامج النووي أو إلحاق أضرار جسيمة به، ولو حدث ذلك فعلاً ما كان لهذه المفاوضات معنى، إذ لا يمكن التفاوض على شيء غير موجود أصلاً، ولما كانت الولايات المتحدة تريد العودة إلى الخيار الدبلوماسي، وهو الهدف التالي للجهود السياسية، إذا تكللت جولة جنيف بنجاح يرضي جميع الأطراف.
مرة أخرى، يقف الملف النووي الإيراني عند نقطة حساسة. وقد تفتح الجولة التفاوضية في جنيف الطريق أمام عودة أوضح إلى العمل المشترك بين جميع الأطراف حول هذه القضية، لاسيما أنها تنعقد قبل نحو شهرين من انتهاء صلاحية الاتفاق الموقع قبل عشر سنوات والمشرع بقرار مجلس الأمن 2231، والخيار المحتمل الآن أن تنطلق مفاوضات جديدة لتمديد صلاحية القرار، ضمن مشروع جديد تقدمت به روسيا، على الرغم من أن توافق القوى دائمة العضوية بعيد المنال، خصوصاً في ظل المواجهة المفتوحة بين موسكو والقوى الغربية، بينما تعارض الصين بشدة أي إجراءات عقابية ضد طهران، وأكدت أن أي تدابير بعيداً عن مجلس الأمن لن يتم الاعتراف بها، وهو ما يهدد باتساع الأزمة بين الأطراف الرئيسية للاتفاق النووي.
بعد انهيار المفاوضات بين طهران وواشنطن وانعدام الثقة بينهما إثر المواجهة العسكرية المحدودة في يونيو الماضي، دخلت العواصم الأوروبية الثلاث، باريس ولندن وبرلين، على الخط في محاولة لوضع مقاربة جديدة حول الملف النووي ورسم مسار مختلف لمستقبل العلاقة بين إيران والغرب. وهناك رهان كبير من الطرفين على المفاوضات المباشرة، خصوصاً الأوروبيين الذين يسعون إلى إثبات أن لديهم القدرة الدبلوماسية على إدارة الأزمات، وأن بإمكانهم تدارك تداعيات الاندفاعة الأمريكية المتشددة، وهو تناوب مفهوم في سياق تبادل الأدوار. أما واقع الحال فيشير إلى أن الكل يريدون صفقة، الغرب عبر فتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات والمشاريع الكبيرة وقطع الطريق على القوى المنافسة، وطهران تريد رفع العقوبات وبدء ورشة واسعة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي. هذه الأهداف تضع ضغوطاً إضافية على الطرفين لاستئناف المفاوضات النووية سريعاً، التي يمكن أن تنجح إذا بقيت مقتصرة على هذا الملف، أما إذا تعدته إلى قضايا أخرى خلافية، فستعود الأزمة إلى المربع الأول وإلى ما قبل اتفاق 2015.