زيلينسكي يطلب مساعدة جده: “الأساليب القاسية” لإنهاء الحرب في أوكرانيا

زيلينسكي يطلب مساعدة جده: “الأساليب القاسية” لإنهاء الحرب في أوكرانيا

يبدو أن موجات الدبلوماسية المحمومة التي تقودها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، تصطدم في كل مرة بمنطقة دونباس الاستراتيجية المتنازع عليها حالياً، حيث يصفها بعضهم بـ«العلاج المر»، حيث كانت مهدَ الحرب قبل عقد من الزمان، حيث لقي عشرات الجنود حتفهم من أجلها.
وبعيداً عن الكاميرات في البيت الأبيض، عبّر الرئيس فولوديمير زيلينسكي لنظيره الأمريكي دونالد ترامب، بمدى أهمية هذه المنطقة للأوكرانيين، عندما قال له إن جده قاتل في الحرب العالمية الثانية لتحرير دونباس من النازيين، وهو ما كرره عندما عاد إلى كييف، حيث قال إن كثيراً من العائلات الأوكرانية قاتلت لتحرير دونباس، معتبراً أنها جزء مؤلم للغاية من تاريخ أوكرانيا، وأن الأمر ليس بالبساطة التي قد يبدو عليها.
ودونباس الغنية بالمعادن تتكون بشكل رئيسي من منطقتين، دونيتسك ولوغانسك، ومن المفترض أنها ستكون محور أي مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، رغم أنها شهدت جزءاً كبيراً من الحرب الجارية، ولقي عشرات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين حتفهم هناك، بينما تواصل روسيا محاولاتها للسيطرة على آخر 4 آلاف كيلومتر مربع لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالب أوكرانيا بالتخلي عن كامل إقليم دونباس، ويشمل طلبه حتى الجزء الذي تديره كييف، حيث يعيش أكثر من 200 ألف أوكراني في مدن مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، وهي تحديداً المناطق التي حارب جد زيلينسكي للدفاع عنها.
ولسنوات، حاول بوتين استخدام دونباس للتلاعب بالحكومة الأوكرانية، فقبل اندلاع الحرب الراهنة استغلّ تمرداً في المنطقة كإسفين ضد آمال أوكرانيا في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). والآن، في العام الرابع للحرب، لا يريد فقط الاستيلاء على دونباس، بل استخدامها للتخلص سياسياً من غريمه زيلينسكي، وفقاً لمحللين.

«الحبة السامة»
وما زال معظم الأوكرانيين يعارضون التنازل عن أي أراضٍ لروسيا، وفقاً لاستطلاعات الرأي، ويحظر الدستور الأوكراني التنازل، وهو ما يضع زيلينسكي بين خيارين صعبين، أولهما لا يحظى بدعم الأوكرانيين، وثانيهما المخاطرة بغضب ترامب في حال رفض التفاوض على هذه المنطقة، لدرجة أن وزير الخارجية الأوكراني السابق فاديم بريستايكو وصفها بـ«حبة سامة. على أوكرانيا أن تبتلعها، وسنرى كيف ستستوعبها».
وتجنب زيلينسكي أسئلة حول ما إذا كان سيتنازل عن الأرض، قائلاً إنه لا يستطيع مناقشة هذه القضية إلا مع بوتين، الذي لم يوافق بعد على عقد قمة مشتركة.

هل هناك حل لمعضلة دونباس؟
يقول مسؤولون أوكرانيون سابقون ومحللون سياسيون إن السبيل الوحيد لإقناع زيلينسكي الأوكرانيين بالتنازل عن الأراضي هو تقديم ضمان أمني مدعوم أمريكياً، وربما يكون ذلك مزيجاً من القوات الأوروبية والدعم الجوي الأمريكي، وهو ما من شأنه أن يردع روسيا عن شن هجمات مستقبلية.
ويقول بالاز جارابيك، المستشار السياسي السابق للاتحاد الأوروبي في كييف، إن أوكرانيا ربما وصلت إلى مرحلة قد تقبل فيها التنازل عن أراضٍ «مقابل اتفاق سلام بضمانات أمنية». وأضاف: «إذا تخلصت في المقابل من دونباس، فقد تنجح الصفقة».
ترامب وصف هذه التنازلات الإقليمية بأنها «مبادلات للأراضي»، ما يشير إلى أن روسيا، التي تسيطر على ما يقرب من 20% من أوكرانيا، قد تعيد بعض الأراضي، وربما شرائح صغيرة منها في شمال شرق أوكرانيا.

مبادلات الأراضي على طريقة ترامب
وتعتقد إدارة ترامب أن «هذه المبادلات مفيدة حقاً لأوكرانيا لأنها تعتقد أن دونباس سوف تسقط قريباً، وبعد ذلك لن يكون لدى أوكرانيا أي أوراق للتفاوض أكثر»، كما قال ماكسيم سكريبشينكو، رئيس مركز الحوار عبر الأطلسي في كييف، مضيفاً أن الأوكرانيين ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف. فقد كان تقدم روسيا في المنطقة بطيئاً على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما يعتقدون أن التخلي عن بقية دونباس الآن يعني تسليم مدن وتحصينات قد تساعد روسيا على بدء هجوم مستقبلي.
وكان يُنظر إلى دونباس سابقاً على أنها منطقة نائية موالية لروسيا، حيث كان الكثير من سكانها، البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة، يتحدثون الروسية فقط دون الأوكرانية، وصوّت تسعة من كل عشرة أشخاص لصالح الرئيس المؤسد لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، عام 2010، وعندما أجبرت الاحتجاجات المؤيدة لأوروبا يانوكوفيتش على الاستقالة في أوائل عام 2014، ردّت روسيا بسرعة، حيث استولت على شبه جزيرة القرم، ثم دعمت الحركات الانفصالية للسيطرة على ثلث إقليم دونباس في صراع محدود أنذر بالحرب الحالية.
وكانت حكومة أوكرانيا تدرس منح الحكم الذاتي لبعض المناطق في دونباس لتسوية الصراع بعد اتفاق السلام الذي تم التفاوض عليه في فبراير/شباط 2015 في بيلاروسيا، وعندما فاز زيلينسكي بالانتخابات الرئاسية عام 2019 على وعد بإحلال السلام مع روسيا، كان منفتحاً على فكرة التسوية ومنح «وضع خاص» لمنطقة دونباس، وظنّ أنه قادر على إبرام صفقة لإنهاء الحرب في قمة سلام عُقدت في باريس مع بوتين عام 2019. لكن في الداخل، واجه ضغوطاً سياسية لتجنب هذه الصفقة.
ويسعى بوتين من خلال المفاوضات إلى الحصول على مقاطعة دونيتسك الصناعية التابعة لدونباس، في شرق أوكرانيا، ويعتقد أنه قادر على تحقيق مكسب استراتيجي هائل على طاولة المفاوضات، بدلاً من ساحة المعركة، حيث قد يستغرق الأمر سنوات ويكلف مئات الآلاف من الأرواح.