«شخص عادي في أكسفورد» رواية رومانسية غير مكتملة

مارلين سلوم
يبحث المشاهد عن الأفلام الرومانسية بين الحين والآخر ليمنح نفسه مساحة هادئة بعيداً عن صخب «الأكشن» وخرافات الخيال العلمي والحروب ومشاهد الدماء والصراعات، لكن حتى هذه الأفلام لا تكون كلها مبهرة وجديدة في مضمونها، مثل الفيلم الذي تعرضه حديثاً «نتفليكس» بعنوان «عامي في أكسفورد» الذي تتفاءل به ثم تكتشف أنه نسخة معدلة من مجموعة أفلام، بل يقودك مباشرة إلى فيلم «مي بيفور يو» أي «أنا قبلك» (2016) بكثير من تفاصيله وبقصته الإنسانية وحتى نهايته، وكأنه نسخة حديثة معدّلة، مع نقاط ضعف تجعله فيلماً مقبولاً.
يملك «عامي في أكسفورد» ما يكفي من الأسباب ليكون فيلماً صيفياً ممتعاً، فهو يتطرق إلى فكرة السفر وبدء حياة جديدة وتعلم الشباب في الخارج وحلم دخول جامعة أكسفورد، ومغامرات الشباب وحياة الطلبة والسكن الجامعي. كل هذه النقاط تمنح المؤلفة جوليا ويلان وكاتبتي السيناريو أليسون بورنيت وميليسا أوزبورن مجالاً واسعاً لتقديم توليفة مميزة، وربما غير تقليدية تناسب شباب اليوم، لكن جوليا ويلان استسهلت ولجأت إلى أفكار مطروحة ومستهلكة، ففي حين جاءت البداية حالمة مع قصة الفتاة آنا دي لا فيغا (صوفيا كارسون) طالبة الدراسات العليا المتحمسة جداً للذهاب إلى جامعة أكسفورد من أجل دراسة الشعر الفيكتوري لمدة عام واحد، مؤجلة مسيرتها المهنية وعملها في إحدى أهم الشركات من أجل تحقيق هذا الحلم، ونعيش معها سحر المكان وفخامته وعراقته وكل ما فيه من ملابس كلاسيكية يرتديها الطلبة الجدد في أول يوم يقام فيه حفل لاستقبالهم والترحيب بهم، والمكتبة الضخمة وكتب الأدب والشعر فيها.
كل هذه التفاصيل تشكّل ديكوراً رائعاً استغله المخرج إيان موريس ليأخذنا إلى عالم الشعر الفيكتوري، بل يحث الشباب على خوض مثل هذه التجربة والسفر إلى أكسفورد وزيارة تلك المكتبة والاستمتاع بقراءة الشعر الفيكتوري والتعمّق فيه وتحليله، لكن هذه البداية التي نتوقع فيها طبعاً أن تلتقي الطالبة آنا بمن يجعلها تقع في حبه تماماً كما وقعت في حب أكسفورد والأدب والشعر، تجعلها الكاتبة شديدة الرومانسية حين تصادف آنا شاباً وسيماً يستفزها، لأنه لطخ ملابسها بمروره السريع بسيارته فوق تجمع لمياه المطر في الشارع، تجد فرصة مناسبة لتنتقم منه، وفي اليوم التالي تكتشف أنه جيمي دافنبورت (كوري ميلكريست) الذي سيتولى تدريسهم بدلاً من البروفسور ستيان.
توقعنا أن تتطور العلاقة بينهما لتنقلب إلى حب، لكن الكاتبة أرادتها علاقة سريعة، مبنية على الإعجاب، بل جعلت البطلة متهورة تسعى إلى التسلية، فهي تُمضي عامها الدراسي، ثم تعود أدراجها إلى نيويورك حيث تنتظرها الوظيفة، وحيث يسكن والداها وأصدقاؤها، والعلاقة تتحول إلى حب، لكن يحصل ما لم تتوقعه آنا ولم نتوقعه كمشاهدين، حيث ينحرف الفيلم عن المسار الرومانسي المملوء بالأمل ليصبح نسخة من فيلم «أنا قبلك»، مع فوارق جعلت «عامي في أكسفورد» نسخة أقل جمالاً وإبهاراً وتأثيراً من «أنا قبلك»، وفيلماً أقل تأثيراً من الأفلام الرومانسية الشهيرة مثل «قصة حب» و«قبل شروق الشمس» و«أنت فقط» وغيرها.
رحلة العلاج
تلعب بعض الأفلام على مشاعر المشاهدين بسحب بساط السعادة من تحت قدمي البطلين الحبيبين، فيذرفون الدموع على البطل والبطلة بعد وقوع أحدهما أسير المرض، لكن الكاتبة هنا أرادت أن تلقى آنا نفس مصير لويزا كلارك في «أنا قبلك»، تجد حبيبها يختار الموت وعدم استكمال رحلة العلاج، تعيش معه أجمل أيام حياتها ويحلم معها بالسفر إلى عدة مدن من بينها باريس، فتقوم آنا كما لويزا تماماً بالسفر إلى تلك الأماكن التي حلم بها حبيبها لكن وحدها، بسبب وفاته، وتتخيل نفسها معه وتصور نفسها وكأنه بجانبها.
الفيلم المقتبس من رواية جوليا ويلان، التزمت فيه كاتبتا السيناريو أليسون بورنيت وميليسا أوزبورن، بالنص فجاءت الشخصيات لطيفة. ويركز «عامي في أكسفورد» على النعرة العنصرية والصراع الدائم بين الشعبين الأمريكي والبريطاني، حيث يرفض البريطانيون اللكنة الأمريكية في نطقهم للإنجليزية، ويعتبرون الشعب الأمريكي لا يعرف الأصول والتقاليد والعراقة، عنصرية تواجهها البطلة خصوصاً من أحد الطلاب في الجامعة، يقابلها وصف لبرود مشاعر البريطانيين يأتي على لسان البطل في حديثه مع آنا، حيث يقول لها «نحن رجال بريطانيون لا نتحدث عن مشاعرنا أبداً». مشاهد لابد أن تبدو فيها البطلة وكأنها مضطهدة كي يتعاطف معها الجمهور، فينتصر الأمريكي ويكسب ودّ الجمهور بشكل تلقائي.
يأخذ الفيلم اتجاهاً مختلفاً بسيره نحو الرومانسية الحزينة، بدايته أوحت لنا برحلة على متن الشعر والأدب والحب، ليس فقط باختيار المخرج للأماكن والمكتبة والكتب والأجواء الأدبية العريقة، في إحدى أهم الجامعات والمكتبات في العالم، بل بمشاهد من قراءة الشعر وتحليل نصوص كنا نتمنى امتدادها وانعكاس تأثيرها في مسار القصة والأبطال.
مرض نادر
يبدو جيمي في البداية شاباً مستهتراً، ولا تكاد تفارقه سيسيليا (بوبي جيلبرت)، التي تظهر دائماً بجانبه عندما يكون خارج الجامعة، ما يجعل آنا شديدة الغيرة، إنما إصابة البطل بمرض نادر نقل العمل من الخيال والرومانسية إلى المأساة والحزن والتركيز على معاناة الشاب، والتركيز أيضاً على موضوع متداول في الأفلام الأمريكية، أيهما أفضل استسلام المريض لمرضه واختياره الموت، أم العلاج والتعلق بحبال الأمل حتى آخر نفس؟ وهل في الأمر أنانية من قِبل المريض بسبب منع أهله وأحبائه من التمسك بالأمل وإجبارهم على قبول رغبته في الموت؟ أسئلة تحيد مسار القصة عن طريق الرومانسية الشعرية ليطغى ألم الموت والفراق عليها.
لا غبار على أداء صوفيا كارسون وكوري ميلكريست، ولكن النصَّ لا يجعلهما ثنائياً مميزاً، بل نشعر طوال الوقت بأن العلاقة مربوطة بخيوط التسلية والسطحية، ليس هناك مشاعر عميقة تلمس قلوب المشاهدين، حتى تمسّك البطلة بالبقاء في أكسفورد لتكون بجانب جيمي، يبدو تمسكاً أدبياً أكثر منه عاطفياً عميقاً، ما يعني أن الكتابة أقل من مستوى المشاعر الحقيقية القادرة على جعل البطلين متفاعلين بشكل عميق لاسيما أن العلاقة بينهما واجهت تحديات مهمة.
[email protected]