جاذبية الكتابة | عثمان حسن

من منا لم يستمتع بقراءة (الحب في زمن الكوليرا) لغابرييل غارثيا ماركيز، أو رائعة مكسيم جورجي (الأم) أو (ثلاثية) نجيب محفوظ.
هذه الذاكرة الأدبية الجاذبة على مدى هذه السنوات الطويلة، والتي ترسخت في الوجدان الثقافي العربي والعالمي، لم تأتِ من فراغ، بل لقد كانت هذه النصوص العالمية تتمتع بفرادة وجاذبية من نوع خاص.
والمدقق في سر هذه الجاذبية، يقف حائراً أمام جملة من العناصر الجمالية التي صنعت تلك النصوص العابرة للزمن.
نجاح رواية «الحب في زمن الكوليرا»، على سبيل المثال، نابع بالتأكيد من كون فكرة الحب هي قوة جاذبة بحد ذاتها، أما رواية (الأم) فلعل ما يكفيها جاذبية هو عنوانها بحد ذاته بما تمثله من عاطفة ورمزية هائلة.
من هنا، ندرك أن جاذبية كثير من النصوص، تنبع من تلك القوة الأسلوبية التي تصنع فارقاً، وتشكل ركناً أساسياً في مدماك النص، إذا ما اتكأ الكاتب على مغازلة الجانب الفطري للمتلقي.
هنا، يطرح سؤال كبير حول قدرة الكاتب على اختراق الحواجز النفسية والمكانية والزمانية، وقدرته على أن يصنع من عبقرية إلهامه ذلك الفارق الجوهري في مخاطبة المتلقي، وإنتاج نص يتفوق في الفضاء الأدبي، ويخلد في ذاكرة الثقافة العالمية.
تشهد الساحة الأدبية منذ سنوات طويلة، أزمة مستحكمة في البحث عن تلك النصوص الجاذبية، إذ لا يمكن اعتبار (الإثارة السطحية) التي نجدها في كثير من النصوص التي يتعمد كثير من الكتاب اعتمادها معياراً لنجاح نصوصهم، لا يمكن اعتبار ذلك وحده كافياً لنجاح النص، فهناك الصياغة الذكية، وهناك اللغة، والفكرة العميقة، وهذه كلها عناصر تحقق الغاية في إدهاش المتلقي، لذا تجد أغلبية المنشور يعتمد على فقط على تلك الإثارة العابرة، وهو فهم خاطئ لفكرة الجاذبية.
من هنا، فإن استعادة الكاتب لوهج وجاذبية وشغف نصه الإبداعي، لابد أن يرتكز على عنصر الجاذبية، ومرة أخرى، على تلك القوة الفطرية، التي تصنع ألق النص، في كل زمان ومكان، و(ربما) ليس صحيحاً دائماً أن تطور العصر، سوف يقف عائقاً أمام نجاح الكتابة من عدمه، فالسر دائماً يكمن في تلك المتعة التي تصنع النصوص المتدفقة في الوجدان الجمعي للناس، ونحن في أمس الحاجة اليوم لكتّاب يعيدون هذا الألق الإبداعي الجاذب، فالجمهور يبحث عنكم كما تبحثون عنه.
لقـــد نجــــح ماركيز، على سبيل المثال، في رواياته، كما نجح غيـــــره مــــن الكتــــاب، ذلك لأنه نجــــح في مخاطبة الفطرة.
مرة أخرى، الفطرة الإنسانية هي سر جاذبية النص الأدبي، وسر تفاعل المتلقي معه مرهون بمقدار ما يحمل من شحنة جمالية، قادرة على استشفاف عناصر الجمال بوصفه تجربة قادرة على التأثير في النفس البشرية.
[email protected]