عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: غزة.. الرسالة الأخيرة إلى الضفة الغربية وفلسطين المحتلة

عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: غزة.. الرسالة الأخيرة إلى الضفة الغربية وفلسطين المحتلة

إسرائيل لا ترحم، ومن يظن أنه بمأمن فهو واهم، انظروا إلى غزة: مدينة نزفت دماءً، أشلاء أطفال، نساء تُقتل تحت الركام، بيوت تُهدم على ساكنيها، لكنها بقيت واقفة كالسيف، صامدة لم تركع، لم تساوم، ولم تخن. غزة لم تقاتل من أجل نفسها فقط، بل من أجل الشيخ جراح، وسلوان، وجنين، وكل بيت في الضفة والداخل.

لكن فلنتعلم من الدرس القريب، حزب الله، الذي طالما تزيّن بلقب “المقاومة”، وقف صامتاً حين اندلعت الحرب الأخيرة في غزة، صدّق نفسه أنه قادر وحده، أنه يملك توازن الردع، فتقوقع في حدوده وترك غزة تنزف وحدها.

بينما كان صمته يظن أنه حكمة، كانت إسرائيل تُعد له الخرائط والبيجر والجواسيس والمقابر. بهذا الصمت زرع الوهم في قلوب الناس، وكشف ظهر غزة، وأراح إسرائيل من جبهة الشمال. فكانت النتيجة أن عاشت إسرائيل أريحية القاتل بلا رادع، وارتكبت في غزة ما ارتكبت.

 

هذا هو الخطر الذي يهددكم اليوم في الضفة والداخل. إذا سكتّم، فستأتيكم نيران إسرائيل بعد أن تفرغ من غزة، ولن ترحمكم. ستقتل وتقتلع وتهجّر كما فعلت مع غيركم، وستفعل ذلك وأنتم صامتون.

تذكروا حكاية الثور الأبيض: يوم سكت الثور الأسود عن أكل أخيه، ويوم تجاهل الثور الأحمر ذبح صاحبه، جاء الدور عليهما. قالها الثور الأخير: “لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.” أنتم اليوم ذلك الثور الأخير إن سكتّم. غزة هي الثور الأبيض، إن سقطت وحدها، فسوف تُؤكلون بعدها واحداً واحداً.

اليوم، أنتم بين خيارين: موت بكرامة وشرف، أو موت صامت بلا قيمة ولا تاريخ. غزة اختارت الشرف، دفعت دماءً غزيرة لتحمي الأعراض والبيوت، فهل ستختارون أنتم الصمت لتُمحوا من التاريخ؟

أنتم لستم وحدكم، فالعالم بدأ يراها: أوروبا الغاضبة، الشارع الأمريكي المتمرد، الأمم المتحدة التي تسمع صرخات غزة. إسرائيل نفسها تدرك أن الداخل والضفة يملكان ما يكفي من السلاح الخفيف والقدرة على المواجهة، لو تحركوا كما تحرك الأحرار في جنوب أفريقيا يوم كسروا جدار الفصل العنصري.

هذه ليست دعوة لليأس، بل للحياة. أن تحيا واقفاً خير ألف مرة من أن تموت راكعاً. أن تُذكر في التاريخ مقاوماً، خير من أن تُمحى كأنك لم تكن.

غزة اليوم ليست مجرد جبهة، بل نداء أخير. دماء شهدائها تصرخ في وجوهكم: “لا تكرروا خطأ حزب الله… لا تسكتوا حتى يأتي دوركم.”

التاريخ لا يرحم المتخاذلين، لكنه يخلّد المقاومين. فاختاروا كيف يذكركم التاريخ.