المنطقة العازلة في أوكرانيا: هل هي وسيلة لتحقيق السلام أم تصرف سياسي تنازلي؟

المنطقة العازلة في أوكرانيا: هل هي وسيلة لتحقيق السلام أم تصرف سياسي تنازلي؟

وسط تصاعد الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، برز اقتراح أمريكي مثير للجدل يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح كحل محتمل لإنهاء الصراع، بحسب تقرير موقع “ناشيونال سكيورتي جورنال”. الهدف من هذا الاقتراح هو إقامة منطقة عازلة واسعة تخضع لمراقبة دولية مشددة لفرض وقف إطلاق النار ومنع أي عدوان مستقبلي، على غرار المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين.الاقتراح يعتمد على إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد على عرض 4 كيلومترات، كما اقترح العقيد المتقاعد ريتشارد ويليامز، نائب مدير سابق في حلف الناتو، أن تستخدم هذه المنطقة أجهزة استشعار متطورة وطائرات دون طيار، لتقليل الحاجة إلى وجود قوات حفظ سلام كبيرة على الأرض. كما تضمن الفكرة آليات دفاعية مشابهة للمادة الخامسة في ميثاق الناتو، تُفعل في حال حدوث أي خرق للمنطقة، مما يضمن رد فعل حاسم ضد أي عدوان.

رفض أوكراني وأوروبي

مع ذلك، واجه الاقتراح معارضة واسعة من الجانب الأوكراني والأوروبي. وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الفكرة بأنها “ميتة”، مشيراً إلى أنها لا تلبي تطلعات أوكرانيا في استعادة كامل أراضيها. وأكد أن سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها يجب أن تبقى غير قابلة للمساومة.ومن جانبها، أعربت مصادر دبلوماسية أوروبية عن تحفظها تجاه الفكرة، معتبرةً إياها معقدة التنفيذ وتحمل في طياتها تنازلات كبيرة على الأراضي الأوكرانية، وهو ما قد يثير ردود فعل سلبية على الصعيدين الداخلي والدولي.

تجارب سابقة وإمكانات الحل

لم تكن هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها فكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سياق الصراع الأوكراني الروسي. ففي نوفمبر الماضي، قدم المقدم جارا ماتيسك، من القوات الجوية الأمريكية، فكرة مشابهة مستلهمة من تجربة الكوريتين. أشار ماتيسك إلى أن هذه المنطقة قد تكون الحل الأكثر واقعية لإنهاء الصراع، رغم أنها ليست مثالية.وأوضح أن إقناع الدول الغربية بالقتال من أجل كل شبر من الأراضي الأوكرانية قد يكون صعباً، مما يجعل المنطقة المنزوعة السلاح خياراً عملياً لوقف التصعيد. مع ذلك، يظل التحدي الأكبر ضمان تعاون الأطراف الدولية، خاصة مع تردد أوروبا ورفض الناتو المحتمل لتولي قيادة مهمة حفظ السلام في هذه المنطقة.

تحديات التنفيذ والآفاق المستقبلية

وفق تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن تحقيق سلام دائم في أوكرانيا يتطلب إنشاء منطقة منزوعة السلاح مدعومة بقوة عسكرية دولية تحظى بتوافق واسع. غير أن التقرير يشير إلى أن هناك تحديات جسيمة، منها التضاريس المعقدة والمناطق الحضرية المدمرة، بالإضافة إلى ملايين الألغام الأرضية التي تشكل خطراً مستمراً.كما أن غياب الإرادة السياسية الغربية لتبني ودعم هذا الحل قد يعوق بشكل كبير إمكانية تنفيذه. وفي ظل استمرار التوترات، يبقى مستقبل المنطقة ورؤية نهاية الحرب في أوكرانيا غير واضحين، مع تعقيدات سياسية وعسكرية تعيد إلى الأذهان واقع شبه الجزيرة الكورية المنقسمة.في ضوء هذه التطورات، يظل اقتراح إنشاء منطقة منزوعة السلاح خياراً مطروحاً لكنه محفوف بالتحديات والصعوبات السياسية والتنفيذية. بينما يتطلع البعض إلى أن تكون هذه الخطوة بداية لحل طويل الأمد، يرفضها آخرون بوصفها تنازلاً مرفوضاً على السيادة والأرض. يبقى السؤال الأبرز: هل سيتحول هذا الاقتراح إلى واقع يحسم الصراع، أم أنه سيظل مجرد فكرة طموحة في ظل الواقع المعقد؟