هل سيؤثر تراجع نشاط المؤسسات والتركيز في السيولة على هيكل البورصة المصرية؟

«هانى حمدى»: الأفراد يقودون السوق والتمركز مؤقت وطبيعى
«عيسى فتحى»: تحركات السوق مُوجهة.. وغياب صانع السوق يفتح المجال لممارسات انتقائية
«رانيا يعقوب»: الأفراد يُسيطرون على السوق ودفعوا “إيجى إكس 70” نحو مستويات تاريخية
«حسام عيد»: نتائج الأعمال تُحدد بوصلة السيولة وتُسرع دوران رؤوس الأموال
شهدت البورصة المصرية خلال الفترة الأخيرة ظاهرة ملحوظة تمثلت في تركز السيولة داخل عدد محدود من الأسهم في ظل هيمنة المُستثمرين الأفراد على المشهد، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات حول تأثير هذا النمط على كفاءة السوق وتوازن التداولات.
ويرى خبراء سوق المال أن هذا التركز يعكس فرصًا استثمارية مُحتملة، في حين يُحذر آخرون من اختلال التوازن نتيجة غياب الدور المؤسسي وصانع السوق، في هذا السياق، تستعرض مجلة البوصلة الاقتصادية، آراء الخبراء حول الأسباب والآثار المُحتملة لهذه الظاهرة، في التقرير التالي.
قال هاني حمدي، العضو المنتدب لشركة مباشر لتداول الأوراق المالية والسندات وخبير أسواق المال، إن المُستثمرين الأفراد باتوا المحرك الأساسي لأداء السوق خلال الشهور الماضية، موضحًا أن سلوكهم الاستثماري يتنوع بين استراتيجيات طويلة الأجل وأخرى فنية أو مضاربية، وهو ما يعكس تنوع الرؤى والاتجاهات داخل البورصة.
وأوضح «حمدي» في تصريحات خاصة لـ «البوصلة الاقتصادية»، أن جزءًا كبيرًا من السيولة يتركز حاليًا في أسهم تنتمي إلى شريحة الأسهم الصغيرة والمتوسطة المُدرجة بمؤشر EGX70، مؤكدًا أن هذا التركز يحمل طابعًا مضاربيًا، لكنه لا يُمثل خطورة في ظل هيمنة الأفراد على التداولات، متوقعًا أن هذه الظاهرة لن تستمر بنفس الحِدة لفترة طويلة.
وأضاف أن السوق يفتقد حاليًا وجود المؤسسات والمُستثمرين الأجانب، متوقعًا أن تبدأ عودة تدريجية للأجانب خلال الربع الثالث من العام الحالي، وذلك مع تحسن المناخ العام للاستثمار.
وأكد أن تركز السيولة لا يُمثل تهديدًا مباشرًا في ظل أن الأسهم المتداولة تتمتع بسيولة مرتفعة وسهولة في الخروج والدخول، ما يُبقي الأموال في حالة دوران نشطة، باستثناء حالات المضاربات الحادة التي قد تُجمد السيولة مؤقتًا.
في سياق متصل أكد عيسى فتحي، العضو المنتدب لشركة القاهرة لتداول الأوراق المالية وخبير أسواق المال، أن ارتفاع السيولة الكلية في السوق يُقلل من أثر تمركز التداولات في سهم أو قطاع مُحدد، لافتًا إلى أنه إذا بلغت قيم التداولات اليومية 10 مليارات جنيه، وحتى إذا شهد البنك التجاري الدولي تنفيذ تداولات بقيمة مليار جنيه واحد في اليوم لا يعني بالضرورة ضعف السيولة في باقي الأسهم.
وأوضح أن سهم «التجاري الدولي» ضمن الأسهم القيادية الجاذبة لكافة أنواع المُستثمرين، أفرادًا ومؤسسات، محليين وعرب وأجانب، على عكس أسهم مؤشر EGX70، التي تتركز تداولاتها في يد الأفراد المصريين والعرب.
وأشار إلى أن بعض الأسهم القيادية تُستخدم كأدوات لتوجيه المؤشر الرئيسي، مستشهدًا بواقعة شهد فيها سهم «التجاري الدولي» ارتفاعًا بنسبة 20% خلال إحدى جلسات المزاد، مما دفع المؤشر الرئيسي نحو الصعود بشكل قوي، ما يُشير إلى وجود توجهات محددة في تحريك السوق.
وتابع أن تحركات السوق ليست عشوائية، بل تُوجه من قبل أطراف لديها القدرة على قيادة التداولات، في ظل غياب صانع السوق الذي يُفترض أن يوجهه المُستثمرين بعيدًا عن توجيهات من قِبل مُستثمرين كبار أو مؤسسات.
وضرب مثالًا بسهم شركة «موبكو» الذي ارتفع من 49 جنيهًا، وهو سعر بيع الحكومة للمُستثمر الإماراتي الذي استحوذ على حصة بالشركة، وأصبح سعره 800 جنيه بعد فترة قصيرة، مشيرًا إلى أن المُستفيد الأكبر لم يكن الدولة، بل المُستثمر الذي استحوذ لاحقًا على أرباح ضخمة.
وأكد أن غياب الدور التنظيمي لصانع السوق سمح لبعض المُستثمرين الكبار بتوجيه السيولة وفق أهداف معينة، دون وجود آلية تُعيد توزيعها بشكل مُتوازن داخل السوق.
ونوه إلى أن تركز السيولة لا يعني تجميد النشاط، بل قد يكون انعكاسًا لحجم رأس المال السوقي الكبير للأسهم القيادية، مُقارنة بارتفاعات سريعة تُسجلها بعض أسهم EGX70 التي قد تصعد بأكثر من 20% خلال 3 جلسات، وهي نسب لا تتحقق عادةً في الأسهم الثقيلة مثل سهم البنك التجاري الدولي إلا على فترات زمنية أطول.
من جانبها، قالت رانيا يعقوب، رئيس مجلس إدارة شركة ثري واي لتداول الأوراق المالية، وخبيرة أسواق المال، إن المُستثمرين الأفراد باتوا يهيمنون على أكثر من 80% من حجم التداول خلال التعاملات اليومية، ما دفع السيولة بقوة نحو أسهم مؤشر EGX70.
وأوضحت أن هذا الاتجاه ساهم في صعود المؤشر السبعيني إلى مستويات تاريخية منذ بداية العام الحالي، خاصة في ظل تراجع التأثير المؤسسي، حيث تضاءل دور المؤسسات مُقارنة بنشاط الأفراد الذين يعتمدون على التداولات قصيرة الأجل والمضاربات السريعة.
وأضافت أن هذا السلوك ساهم في رفع معدل دوران السيولة داخل سوق الأسهم المصرية، لكنه يُعزز في الوقت نفسه من ظاهرة التركز في عدد محدود من الأسهم الصغيرة والمتوسطة.
ويرى حسام عيد، عضو مجلس إدارة شركة كابيتال فاينانشال القابضة، وخبير أسواق المال، أن النتائج المالية القوية التي تحققها الشركات تُعد العامل الأساسي في جذب السيولة نحو قطاعات مُعينة، مشيرًا إلى أن الأداء المالي الجيد يُعزز جاذبية السهم ويُحفز المُستثمرين على ضخ رؤوس أموال جديدة.
ولفت إلى أن قطاعات مثل البنوك والعقارات تصدرت مؤخرًا قائمة الأنشط تداول في السوق، مدعومة بنتائج أعمال قوية، وحققت بعض أسهمها صعودًا تجاوز 30%، مما انعكس على أداء المؤشرات.
وذكر أن تركز السيولة لا يعني بالضرورة وجود خلل في السوق، بل قد يُعبر عن فرص نمو واعدة في قطاعات وأسهم مُعينة لا تزال لم تُحقق أهدافها السعرية.
وأضاف أن هذا التركز قد يكون إيجابيًا في بعض الأحيان، حيث يتحول إلى عمليات استبدال مراكز مالية، عبر بيع أسهم وصلت إلى ذروتها وتوجيه العوائد إلى أسهم أخرى ما زالت في بدايات صعودها، بما يضمن استمرار دوران السيولة داخل السوق.
وأشار إلى أن أثر التركز عادة ما يكون مؤقتًا، ولا يستمر لأكثر من أسبوعين، إذ يُعيد السوق توازنه من خلال انتقال الأموال بين الأسهم بحثًا عن فرص جديدة وعوائد إضافية.