مصر تعمل على تقليل تكلفة استيراد الذرة من خلال توسيع الأراضي الزراعية.

مصر تعمل على تقليل تكلفة استيراد الذرة من خلال توسيع الأراضي الزراعية.

“خبراء”: التوسع فى زراعتها ضرورة استراتيجية.. والتعاقدية لا تكفى وحدها

“بحوث الذرة”: هدفنا تغطية 60% من الاستهلاك المحلى وتقليل الاستيراد البالغ 9 ملايين طن

“فهيم”: زراعة الذرة لم تعد خيارًا بل ضرورة لتعزيز الأمن الغذائى وتقليل الفجوة الاستيرادية

مركز الزراعات التعاقدية: تعاقدات الذرة الصفراء تقفز لـ674 ألف فدان ونستهدف مليون فدان بنهاية 2025

 خبير اقتصادى: مصر تنتج 7 ملايين طن ذرة وتستورد 9 ملايين سنويًا والاكتفاء الذاتى لا يتجاوز 44%

في ظل ارتفاع فاتورة استيراد الذرة والتي تلامس نحو 9 ملايين طن سنويًا، تتحرك الدولة بخطى متسارعة لتقليص الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، من خلال خطة طموحة تقودها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي والهيئات التابعة لها، حيث تستهدف التوسع في زراعة الذرة الشامية، خاصة الذرة الصفراء التي تعد حجر الأساس في صناعة الأعلاف، وتشمل الخطة الوصول إلى 3 ملايين فدان مقابل نحو 2.2 مليون فدان حاليًا، مع دعم الأصناف المعتمدة محليًا، وتوسيع نطاق الزراعة التعاقدية التي شهدت قفزات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، في ظل زيادة عدد الشركات، وحجم التوريد، والمساحات المتعاقد عليها، وتعد هذه التحركات جزءًا من استراتيجية أشمل لتعزيز الأمن الغذائي الحيواني، وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية الناتج عن الاستيراد.

لذلك، تواصلت مجلة “البوصلة الاقتصادية” مع عدد من الخبراء والمسؤولين لرصد آخر مستجدات الملف، وقراءة الفرص والتحديات أمام قطاع الذرة في مصر.

بداية، قال الدكتور مجدي عبدالمولى، رئيس قسم بحوث الذرة بمعهد المحاصيل الحقلية التابع لمركز البحوث الزراعية، أن إجمالي المساحة المزروعة بالذرة الشامية في الموسم الصيفي 2025 بلغ نحو 2.35 مليون فدان، بينها نحو مليون فدان للذرة الصفراء، في خطوة تستهدف تقليص الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، والتي تقدر حاليًا باستيراد 8 إلى 9 ملايين طن سنويًا.

وأكد “عبدالمولى” أن المعهد يخطط ضمن منظومة وزارة الزراعة إلى زيادة المساحة المزروعة إلى 3 ملايين فدان خلال المواسم المقبلة، مع توسيع تطبيق الزراعة التعاقدية وتعزيز توافر التقاوي المحسنة، بهدف تغطية من 40 إلى 60% من احتياجات السوق المحلي.

وكشف رئيس قسم بحوث الذرة عن تسجيل 10 أصناف جديدة من الهجن هذا العام، تشمل: 4 هجن بيضاء فردية، و4 صفراء، وهجينًا أحمر، بالإضافة إلى هجين خاص بالذرة الفشار، موضحًا أن هذه الأصناف تم اعتمادها بالفعل، وسيبدأ طرحها تدريجيًا للمزارعين بداية من الموسم المقبل.

وأشار إلى أن مصر تنتج أكثر من 30 صنفًا من الذرة الشامية، تغطي نحو 70% من احتياجات السوق المحلي من التقاوي المعتمدة، منها أصناف عالية الإنتاجية مثل “168” و”3062″ و”2066″، داعيًا المزارعين إلى التوسع في زراعتها لزيادة العائد وتقليل الاستيراد.

وأوضح “عبدالمولى” أن جميع الأصناف والهجن المتاحة، سواء من إنتاج مركز البحوث أو الشركات الخاصة، تجود في كل أنواع الأراضي المصرية، شريطة الالتزام بالتوصيات الفنية، نافيًا وجود ما يسمى بالتوزيع الجغرافي للصنف، إذ تصلح الذرة للزراعة في الوجهين البحري والقبلي.

وعن الإنتاجية المتوقعة، أوضح أن متوسط إنتاج الفدان من الذرة البيضاء يتراوح بين 18 و25 أردبًا، بينما الصفراء من 20 إلى 30 أردبًا، مشددًا على أن الذرة الشامية تعتبر أكبر محصول تجاري عالميًا بحجم تعاملات يصل إلى 300 مليار دولار سنويًا.

وتابع، الذرة تدخل في نحو 70% من أعلاف الدواجن، و30–40% من أعلاف الماشية، وتعد المصدر الأساسي للطاقة في علائق الحيوان، فضلًا عن استخدامها في صناعة الزيوت “زيت الذرة”، والنشا، والفركتوز، بالإضافة إلى عدد من الصناعات الطبية والتجميلية.

ومن جانبه أوضح الدكتور محمد علي فهيم، رئيس المعمل المركزي للتغيرات المناخية بوزارة الزراعة، أن محصول الذرة يعد من أكثر المحاصيل تأثرًا بالتغيرات المناخية، خاصة خلال مراحل الإنبات والتزهير، مشيرًا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة أو عدم انتظام مواعيد الري قد يتسبب في انخفاض معدلات الإنتاجية، وهو ما يتطلب تدخلات عاجلة على مستوى التقاوي ومواعيد الزراعة.

وأكد “فهيم” أن استخدام الأصناف عالية الإنتاجية، وتحسين أساليب إدارة الري والتوسع في الزراعة في التوقيتات المناسبة، تمثل أدوات مهمة لتعويض آثار المناخ، مشددًا على أن الذرة الصفراء تمثل ركيزة أساسية في صناعة الأعلاف، وبالتالي فإن التوسع في زراعتها لم يعد خيارًا بل ضرورة لتعزيز الأمن الغذائي الحيواني في مصر.

وأشار إلى أهمية تشجيع الزراعة التعاقدية وتحديد أسعار محفزة للمزارعين لضمان استقرار المساحات المزروعة وزيادتها تدريجيًا، وهو ما من شأنه أن يسهم في تقليص فجوة الاستيراد، وتقوية الاقتصاد الزراعي المحلي.

وفي سياق متصل أكدت الدكتورة هدى محمد رجب، رئيس مركز الزراعات التعاقدية بوزارة الزراعة، أن الزراعة التعاقدية أصبحت من أهم الأدوات الاستراتيجية لتطوير القطاعين الزراعي والصناعي، لما لها من دور مباشر في تقليص فجوة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها الذرة الصفراء.

وأشارت “رجب” إلى أن المساحات المتعاقد عليها من الذرة الصفراء شهدت نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت من 16 ألف فدان فقط في عام 2021 إلى نحو 674 ألف فدان خلال الموسم الحالي، وسط خطة طموحة للوصول إلى مليون فدان بحلول نهاية عام 2025، بإجمالي إنتاج مستهدف يصل إلى 2.7 مليون طن.

وأضافت أن كميات التوريد من الذرة ارتفعت من 47 ألف طن إلى مليون و670 ألف طن حاليًا، كما تضاعف عدد الشركات المتعاملة مع المركز من 5 شركات فقط إلى 35 شركة، مع استهداف الوصول إلى 60 شركة خلال الفترة المقبلة، بما يعزز منظومة الزراعة التعاقدية ويدعم سلاسل الإمداد للقطاع الصناعي، خاصة في مجال الأعلاف والصناعات الغذائية.

وفي نفس السياق قال الدكتور عبد الوكيل أبو طالب، مدير معهد الاقتصاد الزراعي بوزارة الزراعة، إن الفجوة بين الإنتاج المحلي من الذرة الشامية والبيضاء والصفراء والاحتياجات الفعلية لمصر تبلغ نحو 9 ملايين طن سنويًا، في حين يبلغ إجمالي الإنتاج المحلي نحو 7 ملايين طن فقط، وهو ما يعني أن نسبة الاكتفاء الذاتي من الذرة لا تتجاوز 44%.

وأضاف، أن مصر تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الجزئي من الذرة من خلال خطة متكاملة تتضمن، زيادة المساحات المزروعة من 2.2 مليون فدان إلى نحو 3 ملايين فدان، خاصة في المشروعات القومية الجديدة مثل مشروع “مستقبل مصر” وتنمية الريف المصري والدلتا الجديدة، ورفع الإنتاجية الفدانية عبر استنباط أصناف جديدة عالية الإنتاجية، حيث ارتفعت إنتاجية الفدان من 3.1 طن في 2018 إلى 3.3 طن في 2023، ومن المستهدف أن تصل إلى 3.5 طن في موسم 2025/2026، إلى جانب نشر الزراعة التعاقدية وتحديد أسعار ضمان محفزة قبل موسم الزراعة لتشجيع المزارعين على التوسع في زراعة المحصول.

وأوضح “أبو طالب” أن الزراعة التعاقدية تعد أحد أبرز الحلول لتقليص فجوة الاستيراد، حيث يتم وضع أسعار ضمان تتماشى مع الأسعار العالمية، وتنفيذ ورش عمل وزيارات توعوية للمزارعين، بجانب التنسيق مع شركات الأعلاف لتسويق المحصول وفق مواصفات وأسعار محددة سلفًا.

وأشار إلى أن السعر العادل لطن الذرة يجب أن يتماشى مع الأسعار العالمية وقت الحصاد، لتشجيع المزارعين وضمان عدم تأثر السوق المحلي بفروق الأسعار، مما يساهم أيضًا في تقليل الضغط على العملة الأجنبية المستخدمة في الاستيراد.

وعن تأثير الاستيراد على السوق المحلية، أوضح أن مصر تستورد نحو 56% من احتياجاتها من الذرة، ما يجعل الأسعار المحلية عرضة للتذبذب بسبب التغيرات العالمية الناتجة عن الحروب والتوترات في سلاسل الإمداد، ولمواجهة ذلك، تعمل الدولة على توفير مخزون استراتيجي من الذرة لتقليل التقلبات السعرية، وتوقيع عقود استيراد طويلة الأجل للحد من تأثير المتغيرات العالمية، إلى جانب دعم وتفعيل نظام الزراعة التعاقدية كخطة مستدامة لتعزيز الإنتاج المحلي.