خطاب رامافوسا يُعيد تأكيد موقف جنوب إفريقيا المعارض لوحدة أراضي المملكة

جدّد الرئيس الجنوب إفريقي، سيريل رامافوسا، في رسالته الأسبوعية الموجهة إلى شعبه، أمس الإثنين، دعم بلاده لجبهة البوليساريو الانفصالية، مؤكدا استمرار جنوب إفريقيا في “التضامن المبدئي مع شعوب الصحراء الغربية في كفاحها من أجل تقرير المصير”، حتى وإن وضعها ذلك في خلاف مع دول أخرى داخل القارة الإفريقية.
ويعكس هذا الموقف استمرار انحياز جنوب إفريقيا لجبهة البوليساريو، في وقت تستمر مبادرة الحكم الذاتي المغربية في حصد المزيد من الاعترافات والدعم الدوليين، باعتبارها الحل الواقعي والوحيد لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، وهو ما أكدته المواقف المعلنة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، كأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي.
وتتزامن هذه التصريحات مع انعقاد قمة “تيكاد 9” باليابان، حيث شدد رامافوسا على أهمية الشراكات الاقتصادية مع طوكيو، غير أنه لم يفوّت الفرصة دون التطرق إلى نزاع الصحراء المغربية، في مؤشر على توظيف بلاده المنتديات الدولية من أجل تمرير خطاب مناوئ لمصالح المملكة وسيادتها على أقاليمها الجنوبية.
في هذا الصدد قال سعيد بوشاكوك، الباحث المهتم بقضايا التنمية والمجال، إن موقف حكومة جنوب إفريقيا الداعم لما تسمى جبهة البوليساريو “يمثل استمرارا لعقيدة سياسية تضع البلاد في مواجهة مصالح القارة الإفريقية، رغم إدراك النخبة الحاكمة أن هذا الموقف يولّد عداوة الدول التواقة للوحدة والأمن في القارة”.
وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مسار العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا ظل متسما بسوء الفهم، رغم الدور الواضح والمتميز الذي لعبته المملكة المغربية في دعم حركات التحرر الوطني ضد نظام الأبارتايد، سواء على المستوى الدبلوماسي أو النضالي”، مشيرا إلى أن “الوقائع خير شاهد على ذلك، ولاسيما موقف الزعيم الراحل نيلسون مانديلا من المرحوم عبد الكريم الخطيب، الذي يعكس صدق موقف الملك الراحل الحسن الثاني ودفاعه المستميت عن تحرير جنوب إفريقيا”.
ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن “النخبة السياسية في جنوب إفريقيا بدأت تبتعد تدريجيا عن الإجماع السابق حول النزاع المفتعل في الصحراء المغربية”، مشيرا على سبيل المثال إلى تحوّل موقف حزب “رمح الأمة”، إحدى القوى الحزبية القوية ذات الامتداد الشعبي، نحو دعم الوحدة الترابية للمملكة ووجاهة خيار الحكم الذاتي، “وهو مؤشر يُعد مدخلا رئيسيا لاختراق النخبة الاقتصادية وفتح قنوات التعاون لجذب الاستثمارات المتبادلة بين البلدين”.
وأوضح الخبير ذاته أن “موقف جنوب إفريقيا الحالي الداعم للانفصال هو موقف شاذ ومارق، يتعارض مع الفكر الوحدوي الذي تتباهى به النخب الجنوب إفريقية في المحافل الدولية، ويأتي بإيعاز من الأوليغارشية العسكرية الحاكمة بالجزائر”، لافتا إلى أن “صورة اللقاء التحضيري لقمة اليابان–إفريقيا تجسد هذا العبث السياسي”.
وخلص بوشاكوك إلى أن “السؤال المطروح اليوم هو: متى ستنضج النخب السياسية في جنوب إفريقيا للاقتناع بأن مصالحها ومصالح القارة رهينة بالانسجام مع السياسة الخارجية المغربية وليس بالتضاد والعداوة؟”.
من جانبه يرى بقادة محمد فاضل، رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، أن رسالة الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوسا الأخيرة “تكشف عن ازدواجية المواقف التي تتبناها بعض النخب السياسية في بريتوريا، خاصة في ما يتعلق بدعم الطرح الانفصالي لجبهة البوليساريو، في وقت يدّعي الوقوف على الحياد ودعم الحلول السلمية للقضايا الأمنية والسياسية في القارة الإفريقية”.
وأضاف بقادة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب لم يسع في أي مرحلة من المراحل إلى المساس بسيادة جنوب إفريقيا أو وحدتها الوطنية، رغم مواقف بعض الدول الداعمة لانفصال مناطق داخل هذا البلد”، مؤكدا أن “الموقف المغربي كان دائما يقوم على الاحترام المتبادل وتعزيز التعاون التاريخي بين البلدين”.
وبخصوص دلالات رسالة رامافوسا أوضح المهتم بخبايا نزاع الصحراء أن “الرسالة تحمل أبعادا سياسية وإستراتيجية محلية ودولية؛ إذ تأتي في وقت تعيش جنوب إفريقيا مشهدا سياسيا استثنائيا بعد فقدان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أغلبية البرلمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وسط أزمة اقتصادية خانقة، ما يفسر جزءا من خلفيات استخدام قضية الصحراء كأداة سياسية داخلية للحفاظ على التوازن الجيوسياسي”.
واسترسل المحلل ذاته بأن “الرئيس السابق جاكوب زوما اعتبر أي محاولة لفصل المغرب عن صحرائه هجومًا على وحدة القارة الإفريقية، بينما الرئيس الحالي سار في مسار مختلف، مغاير لاتجاه المجتمع الدولي الداعم للحكم الذاتي، ما يجعل رسالة رامافوسا تصريحات للاستهلاك الداخلي أكثر من كونها موقفا دوليا حقيقيا”.
وأورد المتحدث عينه أن “المغرب في المقابل تمكن، عبر دبلوماسية ملكية مستمرة على مدى ربع قرن، من تعزيز مكانته الاقتصادية والإستراتيجية والأمنية على الصعيدين القاري والدولي؛ وهو ما لم يأت صدفة، بل جاء نتيجة بناء نموذج تنموي دقيق وواضح الأهداف، جعل المملكة مجال جذب آمن وموثوق لمكونات المجتمع الدولي”.
وأنهى محمد فاضل بقادة حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “المغرب يظل ملتزما بمبادئ التعاون والحوار، ويعتمد على قوة موقعه الدبلوماسي والتنموي لمواجهة أي محاولات لتقويض سيادته على أقاليمه الجنوبية”.