قائد مراكش يثير الحوار حول محاسبة المسؤولين ومكافحة الفساد

قائد مراكش يثير الحوار حول محاسبة المسؤولين ومكافحة الفساد

أعادت واقعة توقيف وزارة الداخلية مسؤولا (قائد) بعمالة مراكش، وذلك على خلفية فتح بحث قضائي، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، يتعلق بـ”الاشتباه في تورطه في إحدى جرائم الفساد”، تجديدَ النقاش حول حدود توسيع دائرة المساءلة القانونية والقضائية التي قد تطال مسؤولين وموظفين عموميين، خصوصًا من فئة المنتمين إلى دائرة رجال السلطة.

واقعة رجل السلطة بعمالة مراكش تعيد، مرة أخرى، مساءلة واختبار خيارات “توسيع وتعميم دائرة المراقبة والتفتيش لضمان محاسبة قانونية عادلة لمختلف مُخالِفي أخلاقيات المرفق العام بين ممثلي السلطات الترابية، ولاسيما في علاقتهم المباشرة بالمرتفقين والمواطنين، كيفما كانت درجاتهم ومسؤولياتهم”.

ومساء أمس الإثنين أكد بلاغ صادر عن وزارة الداخلية خبر التوقيف، الذي كانت تناقلته صفحات ومواقع محلية، مشددة على أنه “سيتم تفعيل الإجراءات الإدارية المناسبة في حق المعني بالأمر، وفقاً للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، على ضوء النتائج التي ستسفر عنها التحقيقات والمسطرة القضائية”.

“القانون بلا استثناء”

رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري بكلية العلوم القانونية- جامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن الأمر، في واقعة “قائد مراكش” وحيثياتها، يتعلق بإجراء احترازي تتخذه السلطة التأديبية في حالة متابعة الموظف العمومي جنائياً، في انتظار صدور حكم نهائي في حقه، مفيدا في السياق بأنها “تحتفظ بصلاحية متابعته إداريًا، أيضا، أمام المجلس التأديبي المختص”.

ويؤشر ذلك، بحسب أستاذ القانون الإداري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “الخضوع لسلطة القانون لا يستثني أحدا، تماشيًا مع مقتضيات الفصل السادس من الدستور المغربي، وتفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وزاد مستحضرا أن “المغرب انخرط منذ مدة في سياسة محاربة الفساد، ووقَّع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ كما اتخذ مجموعة من التدابير التشريعية والمؤسساتية، وخاصة دسترة وإحداث هيئات الحكامة، ومنها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”.

ويخلص رضوان اعميمي، مستقرئاً دلالات هذا التوقيف، إلى أن “الدولة المغربية ماضية في تخليق الحياة العامة، إلا أن ذلك لا يمنع من الحاجة المستمرة إلى إعمال آليات مواكبة وضرورية اليوم للحد من هذه الظواهر، خاصة رقمنة الإدارة وتبسيط وتوضيح الإجراءات والمساطر الإدارية؛ مع الحاجة إلى تعزيز الرقابة الداخلية والتدقيق، مع استمرار السلطة القضائية في لعب أدوارها في تخليق الحياة العامة والوقاية من مظاهر التجاوز في استعمال السلطة، خاصة الدور الذي يلعبه القضاء الإداري في هذا الباب”.

تنامي الوعي المدني

ثمّن محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، “تفعيل المساطر التأديبية المعمول بها قانوناً في مثل هذه القضايا التي تقتضي أيضا ضمان حماية المُبلّغين عن جرائم الفساد، وخصوصا الرشوة”، مطالبا بـ”ترتيب الجزاءات الفعّالة وتجسيد مبدأ المحاسبة وسَواسية الناس أمام القوانين(..) لأن ظواهر الفساد لا يجب التعامل معها بمرونة لكي لا نصل إلى تعاظمها واستفحالها المُضرّ بجهود التنمية والتخليق”.

وقال المصرح لهسبريس إن “هذه الإطاحة التي ساهم فيها الخط الأخضر مازالت تتعلق بشبهة ارتشاء، ما فرض وفق القانون على السلطة التأديبية، وهي وزارة الداخلية في هذه الحالة، تفعيل قانون الوظيفة العمومية انطلاقا من مضامين المادة 73″، مشددا على أن “القرار التأديبي النهائي ينتظر انتهاء الدعوى العمومية، سواء في حالة الإدانة أو البراءة”.

وبنبرة إشادة بجهود محاربة الفساد والرشوة، تابع الغلوسي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، معلقا على الموضوع: “كجمعية مغربية تعنى بحماية المال العام نؤكد أن قرار التوقيف المتخذ في هذه الحالة، التي سقطت بفضل الرقم الأخضر لمحاربة الرشوة وشكلت حالة تلبس، إيجابيٌ ومهم جدا في توسيع دائرة مساءلة ومحاسبة رجال السلطة في حال ثبوت إدانتهم بعد بحث قضائي للنيابة العامة المختصة”.

كما أبرز الفاعل المدني ذاته أن “الواقعة كشفت عن تحلي المرتفقين بسلوك مدني مواطناتي يتمثل في التبليغ عن جرائم الفساد، التي مازالت تعيق التنمية الترابية وتُقصي عددا من المواطنين من حقهم في خدمة عمومية ذات جودة، إذا ما تمت مطالبتهم بمقابل مالي”.

ولفت المتحدث إلى أن “الخروج من دائرة الصمت والحياد والتردد بالنسبة لعموم المغاربة مطلوب”، موردا: “ندعو المواطنين إلى التبليغ عن جرائم الفساد كيفما كان نوعها وتمظهراتها، وبغض النظر عن مستوى ووظيفة المسؤول العمومي –لاسيما شبهات فساد برشاوى تتوفر فيها قرائن وأدلة– للإسهام الفاعل من جهتهم في جهود محاربة الرشوة التي تلزم المغرب بتطبيق وتفعيل اتفاقية مكافحة الفساد”.

وختم الغلوسي بأن “ذلك يبيّن تنامي الوعي المدني بين المغاربة بخطورة الفساد على تخليق الحياة العامة؛ فيما تبقى السلطة القضائية مطالبَةً أكثر بقرارات حازمة في إجراءات المتابعة لمواجهة جرائم تقتضي المتابعة في حالات اعتقال وتشديد الأحكام الرادعة في حق المتورطين”.