خبراء يوضحون زيادة السلوكيات العدوانية الناتجة عن “الاضطرابات النفسية”

خبراء يوضحون زيادة السلوكيات العدوانية الناتجة عن “الاضطرابات النفسية”

يُلاحظ في العديد من السياقات الاجتماعية أن فئة من المصابين باضطرابات عقلية تميل إلى إبداء سلوكيات عنيفة، سواء كانت موجَّهة نحو الذات أو الآخرين، مما يثير تساؤلات متجددة حول طبيعة الارتباط بين الاعتلال النفسي ومظاهر العنف.

وإن لم تكن هذه العلاقة مطلقة أو آلية بطبيعتها، إلا أن الواقع يسجّل حالات عديدة تؤكّد هذا التداخل، خاصة في ظل غياب المواكبة الطبية اللازمة، واستفحال الوصم الاجتماعي، الذي يعمّق عزلة المصاب ويزيد هشاشته النفسية وقابليته لانفجار سلوكي محتمل.

عدوان وإدراك مشوّش

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية، حتى الشديدة منها، ليسوا عنيفين، وفي الواقع هم أكثر عرضة ليكونوا ضحايا للعنف بدل أن يكونوا معتدين”، قبل أن تضيف مستدركة “في بعض الحالات النادرة قد يظهر سلوك عدواني أو عنيف منهم”.

وأوضحت الفضل، في تصريح لهسبريس، أن “المختلّ عقليا قد تظهر عليه سلوكات عنيفة، خصوصًا إذا لم يتلق العلاج، أو إذا كان في حالة ذهان حاد (هلاوس أو ضلالات أو فقدان للتمييز بين الواقع والخيال)، أو كان تحت تأثير المخدرات، أو يفتقر للدعم الأسري والاجتماعي”.

وأشارت إلى أن “المختل عقليا يظهر العنف بدلًا من الهروب مثلا إذا شعر بالتهديد، وكان يعاني من بعض أنواع الاضطرابات الذهانية (مثل الفصام)، أو يعاني من ضلالات اضطهادية كأن يعتقد بأن الآخرين يلاحقونه، أو يريدون إيذاءه، أو يراقبونه”.

وأكدت المعالجة النفسية الإكلينيكية أن “الهروب لا يبدو للمختل عقليا حلًّا منطقيًا له لأنه يظن أن الخطر في كل مكان. وفي المقابل يبدو العنف وسيلة دفاعية من وجهة نظره المشوشة، خاصة إذا كان يسمع “أوامر صوتية” تطلب منه أن يهاجم، وحين يُساء إليه قد يرد بسلوك عنيف، حتى إن لم يكن هناك شخص أمامه مباشرة”.

ونبّهت إلى أن “الشخص المختل عقليا يرى في العنف استجابة لـ”تهديد داخلي” لا يفهمه الآخرون”، مبرزة أن “بعض الأمراض العقلية والنفسية تؤثر على الوظائف التنفيذية للدماغ (خاصة في الفص الجبهي)، وهي المسؤولة عن التنظيم والتحكم في السلوك، مما تنتج عنه ردود فعل اندفاعية، بدون تفكير أو تقدير للعواقب”.

وأكدت أن “العيش في الشارع يزيد الأمر تعقيدًا، خاصة مع غياب الدواء والرعاية، وتحت ضغوط قاسية كالجوع والخوف والإهمال، ووسط بيئة قد تكون مستفزة، وهو ما يزيد من احتمال انفجار العدوانية بشكل غير متوقع”، مشيرة إلى أن “العقل في هذه الحالات لا يعمل بطريقة منطقية واعية، والشخص لا يدرك فعليًا ما يحصل حوله بالكيفية نفسها التي ندركها نحن”.

وقالت الفضل إن “العنف عند بعض المرضى عقليا، خاصة المشردين منهم، ليس عنفًا حقيقيًا نابعًا من نية الأذى، بل هو رد فعل على تهديد متخيَّل، أو ناتج عن تشوش في الإدراك، أو مرتبط بفقدان السيطرة بسبب الخلل العصبي والعقلي، وقد يكون أيضا سلوكًا دفاعيًا أكثر منه هجوميًا”.

تهيّؤات ودفاع وهجوم

محمد شفيق الوزاني، أخصائي نفسي إكلينيكي، قال إن “موضوع الاضطرابات الذهانية يُعد من المواضيع الشائكة في علم النفس الإكلينيكي لأنه يتناول حالات تعاني من خلل في إدراك الواقع”، موضحًا أن “المقصود بالاضطرابات الذهانية هو أن الأشخاص المصابين بها يعانون من أعراض تتسم بفقدان الصلة مع الواقع، أي أن إدراكهم للواقع يكون مضطربًا”.

وأوضح الوزاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “من بين هذه الاضطرابات نجد الفصام، والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، خاصة في نوبات الهوس الذهاني، ثم الاضطرابات الذهانية الناتجة عن تعاطي المواد المخدرة”.

وأشار إلى أن “من أبرز الأعراض ما يسمى بـ”الوهامات” أو “الضلالات”، وهي أنواع متعددة، لكن من الأعراض الأساسية نجد الهذاء الاضطهادي، إذ يشعر المريض بأنه مضطهد من طرف الآخرين، أو أنهم يراقبونه أو ينوون إيذاءه، وربما قتله”، لافتًا إلى أن “هذا الشعور يجعله يتعامل مع من حوله، أحيانًا، بشكل خطير، إذ يحاول الدفاع عن نفسه معتقدًا أن الشخص الذي أمامه يريد إيذاءه، فيبادر إلى الهجوم”.

وقال الوزاني إن “المريض قد يعتقد أن هناك جاسوسًا يلاحقه ويريد جمع معلومات عنه، فيرى في الآخر تهديدًا مباشرًا، ويكون رد فعله هجوميًا، أحيانًا عبر الضرب بالحجارة أو أدوات معينة”، مُسجّلا ما يُعرف بـ”التلقائية العقلية” Automatisme mental، وهو “مفهوم يشير إلى شعور المريض بأن أفكاره أو أفعاله أو أحاسيسه لا تصدر عنه بإرادته، بل يتم فرضها عليه من قِبل قوة خارجية تسيطر عليه وتأمره”.

وأوضح أن “الشخص الذهاني، في الأصل، يعاني من ارتفاع في مستوى العدوانية، ولا يستطيع ضبط انفعالاته أو اندفاعاته، ويصعب عليه التحكم في الهلاوس، فيستجيب للأوامر النفسية التي تدفعه للقيام بأفعال خطيرة”، مشيرًا إلى أن “إدراكه للواقع يكون مضطربًا، فهو غير قادر على التمييز بين الواقع والخيال، وبين ذاته والآخر”.

وتابع الأخصائي النفسي الإكلينيكي تصريحه بالقول إن “المريض في بعض الحالات يختار الهجوم بدلًا من الهروب لأنه يعتبر أن العدو موجود دائمًا، وهو أصل المعاناة النفسية. لذلك يبقى حاضرًا في ذهنه باستمرار، ولا يستطيع أن ينفصل عنه”، مستدركًا أن “هناك حالات قد تهرب، لكن في الغالب يلجأ المريض إلى الهجوم كوسيلة للدفاع عن النفس”.

وأكّد أن “الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات ذهانية بحاجة إلى رعاية خاصة لأن الانتكاسات واردة عند من كانوا يتابعون العلاج الدوائي وتوقفوا فترة قليلة عن تتبعه، فما بالك بمن يعيشون في الشارع دون متابعة طبية أو نفسية”.

وختم الوزاني توضيحه بالإشارة إلى أن “المريض في هذه الحالة لن يستطيع السيطرة على نفسه أو التفاعل بطريقة آمنة، بل يعيش في حالة توتر دائم تجعله عرضة للانفجار في أي وقت”، موضحًا أن “من وسائل التدخل المعتمدة هناك العلاج الدوائي، وبعد استقرار الحالة يمكن اللجوء إلى العلاج النفسي الذي يهدف إلى تصحيح الأفكار والتصورات المضطربة”.