لماذا يتمسك الأهلي بمواطنه وسام أبو علي؟

في زمنٍ كان فيه الأهلي يطارد حلم “المهاجم الغائب”، بعدما تعاقب على الفريق أكثر من 10 مهاجمين على مدار العشر سنوات الماضية لم ينجحوا في ملء فراغ متعب وفلافيو، وُجد الحل فجأة في أحد أحياء السويد الهادئة، حيث نشأ لاعب فلسطيني الملامح، أوروبي العقلية، أفريقي الحضور داخل منطقة الجزاء، وسام أبو علي لم يأتِ إلى الأهلي في صخب صفقة كبرى، لكنه بكل هدوء أعاد الهيبة لمركز رأس الحربة.
وفي هذا الصدد أصدر النادي الأهلي بيانًا رسميًا أكد فيه عدم التفريط في خدمات الدولي الفلسطيني وسام أبوعلى بعد تلقيه أكثر من عرض وذلك بعد اجتماع ثلاثي جمع محمود الخطيب رئيس النادي، خوسيه ريبيرو المدير الفني للفريق ومحمد يوسف المدير الرياضي للنادي.
وسام أبو علي أصبح لاعبًا غير عاديًا في صفوف الأهلي بل يمكن القول إنه بات “المهاجم الذي لا يُعوض”، لأنه الأفضل تهديفًا، ولأنه جمع بين الذكاء التمركزي، والدهاء الهجومي، والروح القتالية التي قلّما اجتمعت في مهاجم واحد داخل جدران القلعة الحمراء منذ اعتزال عماد متعب ورحيل فلافيو، لاعب بنكهة الماضي العريق، لكن بجينات المهاجم العصري: يجيد الضغط، التحرك بين الخطوط، اللعب كمحطة، وإنهاء الهجمة بتركيز نادر.
ما يُعزز قيمة وسام لدى جمهور الأهلي ليس فقط تألقه، بل السياق الذي جاء فيه فقد جرّب النادي أكثر من 10 مهاجمين خلال السنوات الأخيرة، من مختلف المدارس، ومختلف الأعمار، وجنسيات عدة، لكن جميعهم لم ينجحوا في تثبيت أقدامهم أو كسب ثقة الجماهير، البعض ظهر بوميض سريع ثم اختفى، والبعض لم يكن على قدر التطلعات منذ البداية، في مشهد بات يكرّس “لعنة رأس الحربة” التي طاردت الأهلي منذ التفريط في الإيفواري ماليك إيفونا الذي وصل الأهلي في 2015 وسريعًا ما دخل قلوب الجماهير بعدما أصبح ماكينة أهداف غير طبيعية.
وربما هنا يكمن الدرس الذي تعلّمته الإدارة، وإن بدا أنها على وشك الوقوع فيه مجددًا فبيع إيفونا حقق للنادي ربحًا ماديًا كبيرًا في حينه، لكن الثمن الفني كان باهظًا، لم يستطع الأهلي إيجاد البديل، فبقي يبحث ويتعاقد ويفسخ ويجرّب، دون أن يجد ضالته.
ومع وسام، الأمر مختلف: هنا لا نتحدث عن مهاجم عادي، بل مشروع لاعب “تاريخي”، لديه مقومات تجعل منه أحد أعمدة الفريق لسنوات، إن حظي بالدعم والبيئة المناسبة للاستمرارية، لاعب لديه نفس الالتزام الأوروبي خارج وداخل الملعب ولا يبخل بنقطة عرق واحدة لفريقه.
لكن الأزمة تكمن في الجانب الآخر من الصورة، اللاعب، الذي وصله أكثر من عرض خارجي بمقابل مادي مغرٍ، لم يلقَ التجاوب الكامل من الإدارة، لا حديث صريح، لا عرض للتجديد بشروط محسنة، ولا وضوح في الرؤية، بعض المؤشرات كانت توحي برغبة ضمنية في “التريث أو التخلّص” منه، وهو ما خلق حالة من الإحباط لدى اللاعب، فالعقود الكبيرة التي وصلت له، قد لا تتكرر الموسم المقبل، وإذا ما اضطر الأهلي للاستغناء عنه لاحقًا، فسيكون ذلك مقابل مادي أقل مما يُعرض عليه اليوم.
هنا، لا تبدو الخسارة فنية فقط، بل أيضًا مادية ونفسية فالمهاجم حين يُجبر على البقاء دون رغبة كاملة من الطرفين، سيتأثر أداؤه، وستقل حماسته، وربما تفتر علاقته مع جمهور اعتاد رؤيته “يقاتل” على كل كرة، إدارة الأهلي اليوم أمام مفترق طرق إما أن تُجدد ثقتها في اللاعب وتبني عليه، أو تكرر خطأ الماضي وتفتح جرحًا جديدًا في ملف رأس الحربة.
الحديث عن وسام لا يجب أن يتوقف عند الأرقام أو العروض فقيمته تتجاوز الإحصائيات، هو مهاجم يتمتع برؤية داخل منطقة الجزاء، يعرف متى يتحرك، ومتى ينتظر، يشبه فلافيو في ذكائه، ومتعب في حاسته التهديفية، لكنه في الوقت نفسه أسرع، وأقوى بدنيًا، وأكثر مرونة تكتيكية، في كل مباراة، يمنح فريقه خيارًا إضافيًا في البناء، ويقلل من عشوائية الهجمات التي عانى منها الأهلي في سنوات ما بعد متعب.
من هذا المنطلق، فإن التمسك بوسام لا يُعد خيارًا فنيًا فقط، بل ضرورة استراتيجية، هو نموذج للمهاجم الحديث الذي يجمع بين صلابة الشخصية والاحترافية العالية والانتماء للقضية، وجوده داخل غرفة الملابس مهم كما هو داخل منطقة الجزاء، فهو فدائي بالمعنى الكامل: فلسطيني لا يرضى بالهزيمة، ولا يعرف إلا القتال حتى صافرة النهاية.
أخيرًا، ربما كان على الأهلي أن يتذكر أن القيم لا تُقاس فقط بالعائد المالي، بعض اللاعبين يمنحونك ما لا يمكن شراؤه، الطمأنينة في الثلث الأخير، الثقة في اللحظات الحاسمة، والقدرة على الحسم حين يتوقف الجميع وسام أبو علي أحد هؤلاء، التفريط فيه سيكون خيانة لدرس إيفونا، وارتكابًا لخطأ لا يُغتفر، ووسط كل ما يحيط بالنادي من تحديات، يبقى الحفاظ على وسام رسالة واضحة بأن الأهلي لا يفرّط في الفدائيين، لا في أرض الملعب، ولا خارجه.