من يتحمل عواقب الأداء الضعيف للأهلي في كأس العالم للأندية؟

“لقد قتلت قيصر ليس لأنني أحببته أقل، بل لأنني أحببت روما أكثر” بهذه الكلمات برر بروتوس خيانته لـ يوليوس قيصر، معتبرًا أن اغتيال قيصر سينقذ الجمهورية الرومانية من طموحات ديكتاتوريته المطلقة، وخوفًا من تهميش مجلس الشيوخ وعودة الإمبراطورية لكن الأمور آلت إلى موجة من الحروب الأهلية أدت في النهاية لسقوط الجمهورية الرومانية.
الحقيقة أن ماحدث مع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025 مشابه إلى حد كبير لمشهد اغتيال يوليوس قيصر المسرحي، فالفريق الأحمر أضاع على نفسه فرصة تأهل تاريخية بعد أن أوقعته قرعة البطولة بمجموعة يسهل اقتناص 6 نقاط منها، وغسل الجميع يديه مبكرًا من فشل الأحمر بعد أن أقالوا مديرًا فنيًا للفريق وأدخلوا صفقات جديدة ومدير فني لم يسبق له التنافس في مثل هذا المستوى وبعثروا كافة الأوراق حول الفريق ظنًا منهم أن هكذا يكون الاستعداد لكأس العالم للاندية، ليتركوا اللاعبين ومدربهم في مرمى نيران الجماهير، ثم باعوا للجماهير أكذوبة التمثيل المشرف.
وإن كانت روما دفعت ثمن الطموح المفرط لـ يوليوس قيصر والقرارات العاطفية، فإن الأهلي لم يكن بعيدًا عن نفس المصير ودفع ثمن القرارات غير المدروسة والعشوائية، وقُتِل حُلم الأهلي المونديالي مرة أخرى بخناجر محبيه الذين ظنوا أنهم ينقذون “نسر الجزيرة”.
فكيف أضاع الأهلي إنجاز تاريخي في كأس العالم؟ ولماذا لا يجب أن تحميل الفشل على كتفي اللاعبين ومدربهم؟ وكيف يمكن تجاوز ماحدث في مونديال 2025 فيما بعد؟
أول خطوات الأهلي نحو إخفاق كأس العالم للأندية بدأت برحيل محمد عبدالمنعم مطلع الموسم الماضي، المدافع الأفضل داخل إفريقيا خرج من الأهلي تاركًا الفريق دون أفضل لاعبيه في الخروج بالكرة من الخلف، وأثقلهم موهبة وتركيزًا، وبدلًا من التدعيم بمن يؤدي أدوار “عبدالمنعم” اكتفى الأحمر بضم أشرف داري والذي يختلف في أسلوبه عما يجيده عبدالمنعم من واجبات بناء الهجمة والخروج بالكرة من الدفاع ومع إصابة علي معلول ليفقد الأهلي 60% من قوته الهجومية قبل انطلاق الموسم، ولكن هل رحيل محمد عبدالمنعم وإصابة علي معلول فقط هما من أسقطا الأهلي؟ الإجابة قطعًا لا، ولكن ماحدث في استقدام بديل عبدالمنعم واللعب دون علي معلول دليل على طريقة إدارة ملفات الصفقات في أروقة لجنة تخطيط القلعة الحمراء مع اختلاف أعضائها.
«هو اللي عمل فينا كده» بتلك الكلمات ألقى محسن صالح، الرئيس السابق للجنة تخطيط الأهلي، بمسئولية الخروج الإفريقي أمام صن داونز على عاتق مارسيل كولر، المدير الفني السابق للفريق، بعدما كبّل يديه برفض متطلباته من الصفقات والتدخل في كل شئون الفريق الفنية، فلا يخفى على أحد الاجتماعات العاصفة بين صالح وكولر خلال فترتهما بالأهلي والخلافات بين الثنائي على الصفقات من جهة وطريقة اللعب من جهة أخرى.
الأهلي الذي كان على بعد عامًا واحدًا من كأس العالم للأندية، أجرى 3 تدعيمات صيفية باستعارة يوسف أيمن ويحيى عطية الله وضم أشرف داري وعمر الساعي، ومع تزايد الغضب من مستوى الفريق واقتراب الميركاتو الشتوي أدرك مسئولو” تخطيط” الأهلي أن الفريق بحاجة لأجنحة هجومية ولاعبي وسط ملعب بأدوار هجومية.
السؤال الذي يجب طرحه هنا، هل وضع أحد خطة واضحة لما يريده الأهلي من المونديال؟
الإجابة يمكن استخلاصها من المشهد العبثي الذي أدير به ملف صفقات الأهلي في الموسم المنقضي، فلا أحد كان يعرف ماذا يريد الأحمر حقًا من المونديال، وهو ما ظهر على اختيارات اللاعبين وكذلك أزمات كولر والذي أدرك أن الأهلي لا يعرف أهدافه من المشاركة في المونديال فتحول مع الوقت إلى موظف ستيني يريد الاحتفاظ بسجله الوظيفي نظيفًا لحين الحصول على مكافآة نهاية الخدمة، والتي كانت في حالة كولر المشاركة بالمونديال، فالرجل الذي كان دائم الخلاف مع لجنة التخطيط على أسماء الصفقات أصبح لا يحرك ساكنًا وترك الأمر برمته لـ رجال التخطيط واحتفظ لنفسه باختيار من يشارك ومن يجلس بديلًا، ثم في ميركاتو يناير وبعد أن باتت الأمور أقرب للأزمة الكبرى، تحركت الإدارة وضمت أشرف بن شرقي وأحمد رضا ونايتس جراديشار، واستعادت أحمد قندوسي ثم تخلت عنه رغم احتياج الفريق الفني للاعب وسط ملعب هجومي.
إدارة الأهلي قررت قبل ميركاتو يناير بثلاثة أشهر تعيين محمد رمضان في منصب المدير الرياضي للفريق، وأقالته بعد أقل من 9 أشهر، دون أي إنجاز واضح لمدير رياضي أو خطة مستقبلية للفريق يمكن الارتكان إليها في المونديال المنتظر آنذاك.
إدارة الاهلي قررت تجربة نفس الشئ أكثر من مرة وانتظار نتيجة مختلفة في كل مرة، ودخل الفريق كأس العالم بلا أي خطط واضحة لما يريده النادي من ذلك المحفل العالمي، فبعدما واجه الأهلي فلومينينسي وريال مدريد وبالميراس في المونديال دون استعداد جيد بصفقات قوية وأضاعوا فرصتين محققتين لقطع تذكرة نهائي المونديال، عاد الأهلي ليكرر نفس خطأ الاستعداد ولكن هذه المرة جلب صفقات كثيرة وأطاح بالمدرب الذي أغضب الجماهير في نهاية ولايته، وجاء بمدرب لا يعرف شيئًا عن الفريق ليتعرف عليه من البداية.
مارسيل كولر، المدير الفني السابق للأهلي، تحدث أكثر من مرة في الإعلام خلال الموسم المنصرم عن احتياج الفريق للعديد من الصفقات، ولوّح لأزمات الغرف المغلقة في مناقشات أسماء اللاعبين المطروحة عليهم.
رغم نفي بعض مسئولي الأهلي لما أثاره كولر قبل رحيله، إلا أن الأمر بات جليًا بعد الإعلان عن صفقات كأس العالم باستعادة محمود حسن تريزيجيه واستعارة حمدي فتحي لكأس العالم فقط، بجانب الصفقات الشتوية اللامعة، فقط لإثارة حماس الجماهير نحو ما سيقدمه أولئك اللاعبين في المونديال كأن الأمر برمته يعتمد على اللاعبين فقط.
ولكن على الرغم من التعاقدات الكبيرة التي أبرمتها إدارة الأهلي، إلا أن الملف التعاقدي انتقص لمرحلة مهمة في لعبة كرة القدم وهي الدفاع، الخط الخلفي الذي كان ومازال بحاجة لتدعيمات ذات جودة عالية، فلتعويض المدافع الأفضل داخل إفريقيا تحتاج لفريق كشافة يبحث في مواهب القارة بجدية، وعلى سبيل المثال.. بعدما كان الفريق قريبًا من ضم زين الدين بلعيد ابتعد اللاعب وذهب إلى أوروبا في اللحظات الأخيرة، ولكن من المؤكد أن هناك العديد من المواهب التي كانت بحاجة لنظرة خبير وفرصة للمشاركة مع الأهلي وإثبات قدراتهم.
كما أن إدارة ملف التعاقدات في الأهلي غلبت عليه في السنوات الماضية قرارات الأيدي المرتعشة، فصفقة محمد علي بن رمضان التي أبرمها الأهلي قبيل المونديال بأيام قليلة ترددت داخل أروقة القلعة الحمراء وداخل غرف المفاوضات أكثر من مرة في آخر 3 سنوات، فكيف لمن يخطط لنادٍ بحجم الاهلي أن تهتز يده في قرارت كهذه؟
مسئولية الخروج من مونديال الأندية يتحملها كل من يمثل النادي الأهلي سواء إداريًا أو فنيًا، وخاصة لاعبي الفريق والذين تركوا كرة القدم جانبًا واهتموا بالحصول على اللقطة والتركيز على المجد الشخصي وتفضيله على مجد الفريق.
على المستوى الفني في مونديال الأندية، لا يمكن القسوة على خوسيه ريبيرو وتحميله مسئولية الأداء المهتز خاصة في الشوط الثاني من المباريات، ولكنه يتحمل مسئولية جموده الفكري وتمسكه بتطبيق أفكاره بين ليلة وضحاها، والتغييرات الكثيرة التي أجراها على التشكيل في المباريات الثلاثة وبالرغم من ذلك إلا أن الأهلي مازال أمامه فرصة للعمل مجددًا بشكل مؤسسي وخططي والاستعداد لمونديال الأندية المقبل ولكن بما يستحقه اسم الأهلي.. وأول خطوات هذا العمل هو البدء في إجراء عملية الإحلال والتجديد في صفوف الفريق بالاستغناء عمن خرجوا عن الخدمة وأصبحوا عبئًا على الفريق وإفساح الطريق لأصحاب المواهب ومن مازال لديهم مايقدموه لصالح الأهلي.
أما عن نظرية التمثيل المشرف، فالأهلي وشهرته العالمية تخطت تلك النظرية وأصبح ينظر إليه بعين الاعتبار في حسابات المجموعات والتأهل، ولم يعد بحاجة لما يقال عنه تمثيل مشرف بقدر ماهو بحاجة إلى تمثيل يستحقه النادي، فالمكاسب المادية التي يتغنى بها من يتبنون نظرية “التمثيل المشرف” كان من الممكن أن تتضاعف لو كان للأهلي خطة واضحة لتحقيق أهداف محددة مسبقة من المونديال وليس مشاركة عشوائية.
إدارة الأهلي مازال امامها الفرصة لكتابة سطر جديد باسمها في التاريخ باستقدام مدير رياضي أجنبي أو الاستعانة بأحد الخبرات الرياضية المصرية المثقلة بالعلم والمعرفة والخبرة الحقيقية لتطوير قطاع كرة القدم بأكمله ووضع خطط مستقبلية للفريق تبدأ من الناشئين وتمر بالمراحل المختلفة والفريق الأول بجانب وضع أسس للصفقات واختيارات المدربين الجدد.