مصر في مواجهة الواقع والتلاعب: كيف تصبح غزة أداة في يد الجماعات المشبوهة

البيان
في خضم التوترات المتصاعدة والمعاناة المستمرة في قطاع غزة، يخرج علينا بعض رموز الفصائل الفلسطينية بخطاب يتجاوز حدود المنطق، محمّلًا مصر اتهامات مجانية واستدعاءات عاطفية رخيصة، يعلم مُطلقوها قبل غيرهم أنها لا تصمد أمام حقائق التاريخ ولا أمام معطيات الجغرافيا.
مصر لم تكن يومًا بعيدة عن القضية الفلسطينية، لا وجدانيًا ولا استراتيجيًا. دفعت من دماء أبنائها على أرض فلسطين، وفتحت حدودها في أصعب اللحظات أمام الجرحى والمساعدات، واستضافت قيادات الفصائل، وقادت جهود المصالحة والتهدئة رغم تعقيد المشهد وتعدد اللاعبين.
لكنّ ما لا يمكن القبول به، هو هذا الخطاب الشعبوي الذي يسعى لتوظيف معاناة الأبرياء في غزة ضمن مزايدات سياسية، تُدار ببرود أعصاب من خلف مكاتب القرار في إمارات الأمر الواقع، التي اختطفت القطاع، وحوّلته إلى رهينة بيد مشروع سلطوي، لا علاقة له لا بالمقاومة ولا بالشرف الوطني.
الخطاب الذي يحمّل مصر تبعات الواقع الإنساني الصعب في غزة، يتجاهل عمدًا أن من يحاصر القطاع فعليًا هو من عزله سياسيًا وجغرافيًا، ورفض كل فرص التوافق، وأدار ظهره لكل نداءات الوحدة، مفضلًا الحكم على أنقاض البيوت على التنازل عن مشروعه الخاص.
وإذا كانت مصر لا تنتظر شهادة حسن سلوك من أحد، فلأنها الدولة الوحيدة التي بقيت أبوابها مفتوحة حين أُغلقت جميع الأبواب، وأدخلت قوافلها للغذاء والدواء بينما وُجّهت البنادق – بكل خيانة – إلى صدر الفلسطيني تحت رايات “التحرير”.
أما وراء هذا الحراك الإعلامي المنسق، والحملات الإلكترونية المنظمة، فيقف بوضوح تنظيم الإخوان الدولي، الذي لم يتوقف يومًا عن استخدام غزة كورقة ضغط في مشاريعه العابرة للأوطان، خدمة لأجندات تمليها عليه أطراف أكثر قُبحًا من أن تُذكر. هذا التنظيم، الذي يزعم مناصرة القضية، لم يقدّم لها سوى خطاب الكراهية والفوضى، وفتّ في عضد الصف الوطني، وكرّس الانقسام، وعمل – عن قصد أو بجهل – على خدمة مصالح “نتنياهو” أكثر مما أضرت به.
مصر لن تكون أبدًا رهينة خطاب التحريض، ولن تبتزها أبواق الفوضى تحت لافتة المقاومة، لأن القاهرة كانت وستظل أكبر من المزايدات، وأشرف من الرد على من تنكروا لتاريخها، وأداروا لها الظهر بعد أن أكلوا من خيرها وشكروا غيرها.
من أراد الحديث عن المواقف.. فليحترم أولًا دماء شعبه، قبل أن يُحاضر في الوطنية.